من الله ما لا يرجون " (1) فلما أمرهم الله بطلب قريش قالوا: كيف نطلب ونحن بهذه الحال من الجراحة والألم الشديد، فأنزل الله هذه الآية " ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون " وفي سورة آل عمران تمام هذه الآية عند قوله: " إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين " (2) الآية إلى آخرها والآيتان متصلتان في معنى واحد، ونزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله متصلة بعضها ببعض، فقد كتب نصفها في سورة النساء، ونصفها في سورة آل عمران.
وقد حكى جماعة من العلماء عن الأئمة عليهم السلام أنهم قالوا: إن أقواما ضربوا القرآن بعضه ببعض، واحتجوا بالناسخ وهم يرونه محكما، واحتجوا بالخاص وهم يرونه عاما، واحتجوا بأول الآية وتركوا السبب، ولم ينظروا إلى ما يفتحه الكلام، وما يختمه، وما مصدره ومورده، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل، وسأصف من علم القرآن أشياء ليعلم أن من لم يعلمها لم يكن بالقرآن عالما، من لم يعلم الناسخ والمنسوخ والمبهم والخاص والعام، والمكي والمدني والمحكم والمتشابه وأسباب التنزيل والمبهم من القرآن وألفاظه المؤتلفة في المعاني، وما فيه من علم القدر، والتقديم منه والتأخير، والعمق والجواب والسبب والقطع والوصل، والاتفاق، والمستثنى منه، والمجاز، والصفة، في قبل وما بعد، والمفصل الذي هلك فيه الملحدون، والوصل من الألفاظ والمحمول منه على ما قبله وما بعده، والتوكيد منه، وقد فسرنا في كتابنا هذا بعض ذلك، وإن لم نأت على آخره.
ومن الدليل أيضا في باب تأليف القرآن أنه على خلاف ما أنزله الله تبارك وتعالى في سورة الأحزاب في قوله: " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " (3) إلى قوله: " وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا " وهذه الآية