هي مع تلك التي في أول السورة، فغلطوا في التأليف فأخروها، وجعلوها في غير موضعها.
ومثله في سورة العنكبوت في قوله عز وجل: " وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون " (1) فأما التأليف الذي في المصحف بعد هذا " وإن يكذبوك فقد كذب أمم من قبلهم وما على الرسول إلا البلاغ المبين * أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظر وا كيف بدء الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شئ قدير * يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون * وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير " إلى قوله جل وعز: " أولئك لهم عذاب أليم * فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجيه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ".
فهذه الآية مع قصة إبراهيم صلى الله عليه متصلة بها فقد أخرت، وهذا دليل على أن التأليف على غير ما أنزل الله جل وعزفي كل وقت للأمور التي كانت تحدث، فينزل الله فيها القرآن وقد قدموا وأخروا لقلة معرفتهم بالتأليف وقلة علمهم بالتنزيل على ما أنزله الله، وإنما ألفوه بآرائهم، وربما كتبوا الحرف والآية في غير موضعها الذي يجب، قلة معرفة به، ولو أخذوه من معدنه الذي انزل فيه، ومن أهله الذي نزل عليهم، لما اختلف التأليف، ولوقف الناس على عامة ما احتاجوا إليه من الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والخاص والعام.
ومثله في سورة النساء في قصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد حيث أمرهم الله جل وعز بعد ما أصابهم من الهزيمة والقتل والجراح أن يطلبوا قريشا " ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون