خلافه يعارضه، والأولى ترك هذا الجلوس لاشتهار هذا المعنى بين اللغويين، واحتمله بعض علمائنا كما عرفت مع أنه خلاف ما هو السنة في هذا الجلوس، والفرق بين ترك السنة وارتكاب المكروه ضعيف، بل قيل باستلزامه له.
وأما المعنى الثالث فقد عرفت أن المشهور بين علمائنا بل علماء المخالفين أيضا كراهته، وكفى بذلك مرجحا وقد ورد في اللغة بهذا المعنى، وقد عرفت ما يؤيده وتجويز ابن عمر وأضرابه ذلك وعملهم به يؤيد أن النهي إنما ورد في ذلك للرد عليهم وأما ما ورد في صحيحة الحلبي من عدم البأس فلا ينافي الكراهة بل قيل إنه يؤيدها.
وأما الجلوس على القدمين من غير أن يكون صدر القدمين على الأرض الذي نسميها المعنى الثاني، فهو خلاف المستحب أيضا، ولم أر من أصحابنا من قال بكراهته بل يظهر من كلام ابن الجنيد أنه قال باستحبابه كما مر، وقد اتفقت كلمة أصحابنا في تفسير الاقعاء المكروه بما عرفت، فاثبات كراهته مما يوهمه إطلاق كلام بعض اللغويين والمخالفين مشكل.
فان قيل: ما مر من قول أبي جعفر عليه السلام في صحيحة زرارة (ولا تقع على قدميك) وقوله عليه السلام في صحيحته الأخرى (إياك والقعود على قدميك فتتأذى بذلك ولا تكون قاعدا على الأرض فيكون إنما قعد بعضك على بعض فلا تصبر للتشهد والدعاء) يدلان على شمول النهي لهذا الفرد أيضا.
قلنا: أما الخبر الأول فقد ورد النهي فيه عن الاقعاء على القدمين لا مطلق القعود عليهما فيتوقف الاستدلال به على أن الاقعاء موضوع لخصوص هذا الفرد أو لما يشمله وقد عرفت ما فيه، نعم بظاهره ينفي المعنى الأول من الاقعاء كما أومأنا إليه، وأما الخبر الثاني فهو وارد في الجلوس للتشهد لا بين السجدتين، ولو ارتكبنا التكلف في ذلك بأن العلة التي ذكرها في التشهد تحصل في غيره، فيتعدى الحكم إليه كما قيل، فمع أنه يمكن المناقشة فيه بمنع جريان العلة إذ الدعاء والذكر في التشهد أكثر منهما بين السجدتين، لا نسلم أنه يدل على هذا المعنى، إذ يحتمل أن يكون المراد به النهي عن أن يجعل باطن قدميه على الأرض غير موصل أليتيه إليها رافعا فخذيه و