بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٨٢ - الصفحة ٦٨
(24) (باب) * " (الجهر والاخفات وأحكامهما) " * الآيات: اسرى: وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا (1).
وقال سبحانه: ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا (2).

(١) أسرى: ٤٦.
(٢) أسرى: ١١٠، والظاهر من لفظ الآية الشريفة أن المراد بالجهر والمخافتة اجهار الصلاة علانية واخفاتها سرا حيث لا يراه أحد من الأجانب، على ما أشرنا إليه قبل ذلك في ج ٨٢ ص ٣١٨.
فالنبي صلى الله عليه وآله بعد ما فرض عليه في الآية ٧٨ من هذه السورة - سورة الإسراء - صلاتا المغرب والفجر، كان يجهر بهما علانية في فناء الكعبة الشريفة، يصلى هناك منفردا وأحيانا مع زوجته خديجة وابن عمه على عليهم السلام فاشتد ذلك على قريش حتى آذوه بالسب والشتم ورمى الحصا، وبلغ أمرهم إلى أن ألقوا عليه سلى ناقة وأراد بعضهم أن يدمغ رأسه صلى الله عليه وآله بحجر، فكفاه الله شره، فلا جرم انتقل إلى بيته ليصلى مخافتة فنزلت هذه الآية، وأمره أن يتطلب ويتجسس ويبتغي بين هذين الامرين منهجا، فتذاكر النبي صلى الله عليه وآله مع الأرقم ابن أبي الأرقم المخزومي واختار داره - وهي في أصل الصفا على يسار الصاعد إليه - للصلاة ثم لقراءة القرآن والانذار به، حتى نزل قوله تعالى: (فاصدع بما تؤمر و أعرض عن المشركين * انا كفيناك المستهزئين) الحجر: ٩٤ و ٩٥.
ينص على ذلك قوله عز وجل في ذيل الآية (وابتغ بين ذلك سبيلا) حيث إن الابتغاء وهو الاجتهاد في الطلب على ما صرح به الراغب لا يناسب الا ما حملنا الآية عليه، وأما لو حملنا الجهر والاخفات على جهر القراءة والاخفات بها من حيث مد الصوت وعدمه فمع أنه خلاف ظاهر اللفظ حيث لا ذكر في الآية من القراءة والذكر، لا وجه لقوله عز وجل (وابتغ) أي تطلب وتفحص أمرا بين الامرين، حيث أن قراءة بين القراءتين: الجهر والاخفات ليس يخفى كيفيتها على أحد، حتى يؤمر بابتغائه وطلبه مع اجتهاد.
على أنه لو كان المراد ذلك، لكان على النبي صلى الله عليه وآله أن يمتثل هذا الامر بقراءة القرآن قراءة متعارفة بين القراءتين، مع أنه صلى الله عليه وآله جهر في بعض الصلوات وأخفت في بعضها، و هذا ضد ما أمر به القرآن العزيز وخلاف عليه بكلا شقى المسألة.
فعلى هذا لا وجه لعنوان الآية الكريمة في هذا الباب، بل الآية التي تتكفل لبيان الجهر بالقراءة والاخفات بها وامتثل أمرها النبي صلى الله عليه وآله فأخفت في بعض الصلوات وجهر ببعضها الاخر على ما عرف من سنته صلى الله عليه وآله، هو قوله عز وجل: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم ترحمون * واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) الأعراف: ٢٠٤ و ٢٠٥.
والآيتان كلتاهما من المتشابهات على ما عرفت معنى المتشابه في ج ٨٣ ص ١٦٦، الا أن الآية الأولى آلت بتأويله صلى الله عليه وآله إلى صلاة الجماعة فأوجب على المأمومين أن ينصتوا لقراءة الامام في الصلاة، ومعلوم أن الانصات لا يكون الا عند الاجهار بالقراءة، ثم في الآية الثانية أمره صلى الله عليه وآله أن يذكر ربه في نفسه تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول الذي يناسب معنى التضرع والخيفة، بالغدو والآصال والغدو على ما يدل عليه قوله عز وجل (غدوها شهر ورواحها شهر) وقوله تعالى (آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا): الظهر وقت النهار والأصيل وقت العصر، فآلت أمره إلى صلاة الظهر والعصر بتأويل النبي صلى الله عليه وآله فصلى صلاتي العصرين بالاخفات بذكره تعالى من أول الصلاة إلى خاتمتها حتى الأذكار والتسبيحات وحد الاخفات هذا أن يكون قراءة دون الجهر من القول في النفس كما هو ظاهر.
فالواجب الجهر بقراءة القرآن في غير صلاتي الظهرين وأما الأذكار والتسبيحات فهو مخير بين أن يجهر بها أو يخافت ولعل الجهر بها تبعا للجهر بالقراءة أولى، وأما صلاتا النهار والأصيل، فالقراءة والأذكار كلها سواء، يخافت بها مطلقا، وسيمر عليك في طي الباب أخبار عن الأئمة المعصومين عليهم السلام ينص على ذلك.
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 * الباب الثالث والعشرون * القراءة وآدابها وأحكامها، وفيه: آيات، و: أحاديث 1
3 معنى قوله تعالى: " ورتل القرآن ترتيلا " في الذيل 1(ه‍)
4 معنى الترتيل وكيفية قراءة القرآن 8
5 في قراءة الحمد والسورة في الصلاة 11
6 الأقوال في قراءة العزائم في الصلاة 14
7 في سورتي التوحيد الجحد 16
8 بحث حول البسملة 18
9 في سورتي القدر والتوحيد؟ في قراءة السور في الصلاة 36
10 في سورتي الضحى وألم نشرح وسورتي الفيل ولايلاف 46
11 تفسير سورة الحمد 51
12 علة القراءة في الصلاة وتفسير الحمد، وفيها بيان وما قاله الشهيدان 54
13 بحث مختصر حول النية 63
14 بحث في تعلم القراءة والأذكار وترجمتهما وقراءة الأخرس 64
15 * الباب الرابع والعشرون * الجهر والاخفات وأحكامهما، وفيه: آيتان، و: أحاديث 68
16 معنى قوله تعالى: " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " في ذيل الصفحة 68(ه‍)
17 بحث مفصل حول الجهر والاخفات والجهر ببسم الله 70
18 في الجهر في صلاة الظهر يوم الجمعة 78
19 * الباب الخامس والعشرون * التسبيح والقراءة في الأخيرتين 85
20 في جواز التسبيحات بدل الحمد في الأخيرتين 88
21 الأقوال في أفضلية التسبيح أو القراءة 91
22 في أن من نسي القراءة في الأوليين يتخير في الأخيرتين 95
23 * الباب السادس والعشرون * الركوع وأحكامه وآدابه وعلله، وفيه: آيات، و: أحاديث 97
24 معنى قوله عز وجل: " واركعوا مع الراكعين " وفي الذيل ما يناسب 98
25 العلة التي من أجلها جعل التسبيح في الركوع والسجود وجعل ركعة وسجدتين 101
26 في استحباب الذكر والدعاء في الركوع، وجواز عد التسبيحات بالأصابع 105
27 الدعاء في الركوع 110
28 * الباب السابع والعشرون * السجود وآدابه وأحكامه: وفيه: آيات، و: أحاديث 121
29 في الذيل آيات مناسبة للباب 121(ه‍)
30 في السجدة ومعناه 124
31 البحث في جواز رفع الرأس عند وقوع الجبهة على ما لا يصح السجود عليه أو المرتفع 129
32 في النفخ في موضع السجدة 135
33 في أن لكل ركعة سجدة وزاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سجدة أخرى... 141
34 * الباب الثامن والعشرون * ما يصح السجود عليه وفضل السجود على طين القبر المقدس 144
35 في الذيل آيات مناسبة للباب وفيه توضيح وبيان 144(ه‍)
36 في أن السجدة على أنبتت الأرض إلا ما اكل أو لبس 148
37 فيما لا يسجد عليه، وترجمة: تأبط شرا الفهمي 149
38 في جواز السجود على القرطاس، وما قاله الشهيد الثاني والعلامة (ره) 155
39 البحث في السجدة على القير 156
40 السجدة على تربة الحسين عليه السلام والتيمم 158
41 * الباب التاسع والعشرون * فضل السجود واطالته واكثاره، وفيه: آيتان، و: وأحاديث 160
42 معنى قوله تعالى: " تراهم ركعا سجدا " 160
43 في قول رسول الله (ص) لرجل قال له (ص): علمني عملا يحبني الله عليه و... 164
44 * الباب الثلاثون * سجود التلاوة، وفيه: آية، و: أحاديث 168
45 تفسير قوله تبارك وتعالى: " وإذا قرء عليهم القرآن لا يسجدون " 168
46 في أن مواضع السجود في القرآن خمسة عشر موضعا، وحرمة السجود لغير الله 171
47 في سجدات القرآن، ووجوب السجود على القارئ والمستمع،... 176
48 * الباب الحادي والثلاثون * الأدب في الهوى إلى السجود والقيام عنه، والتكبير عند القيام من التشهد... 181
49 الآيات المتعلقة بالباب في ذيل الصفحة، والنهي عن الاقعاء 181(ه‍)
50 فيما قاله المفيد والشيخ في التهذيب والشهيد في الذكرى في التكبير بعد التشهد 182
51 فوائد جليلة في الجلوس والقيام وجلسة الاستراحة... 185
52 * الباب الثاني والثلاثون * القنوت وآدابه وأحكامه، وفيه: آيات، و: أحاديث 195
53 معنى القنوت، وأن الصدوق (ره) كان قائلا بوجوبه وابن أبي عقيل في... 195
54 في جواز الدعاء على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم في القنوت... 202
55 في جواز الدعاء في القنوت بالفارسية، وأدعية القنوت 208
56 * الباب الثالث والثلاثون * في القنوتات المروية عن أهل البيت عليهم السلام 211
57 قنوت مولانا الحسن بن أمير المؤمنين عليهما السلام 212
58 قنوت الإمام الحسين والإمام زين العابدين عليهما السلام 214
59 قنوت الامام أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام 216
60 قنوت الإمام جعفر الصادق والإمام موسى بن جعفر عليهما السلام 218
61 قنوت الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام 223
62 قنوت الإمام محمد بن علي الجواد عليهما السلام 225
63 قنوت الإمام علي بن محمد النقي عليهما السلام 226
64 قنوت الإمام الحسن بن علي العسكري عليهما السلام وأمر به أهل قم 228
65 قنوت مولانا الحجة بن الحسن العسكري عليهما السلام 233
66 ترجمة بعض جملات وبعض لغات الأدعية 235
67 دعاء آخر للقنوت 268
68 * الباب الرابع والثلاثون * التشهد وأحكامه، وفيه: آيات، و: أحاديث 276
69 وفي الذيل آيات تتعلق بالباب وبيان للتشهد 276(ه‍)
70 تفسير قوله عز وجل: " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين... 277
71 أقوال العامة في التشهد 279
72 أدنى ما يجزي من التشهد 282
73 فيما يقال في التشهد من الأدعية 287
74 في التشهد الأول والثاني كيفية التسليم 293
75 * الباب الخامس والثلاثون * التسليم وآدابه وأحكامه 295
76 في وجوب التسليم المخرج من الصلاة، والقول بوجوب السلام عليك 295
77 الأقوال في صيغة التسليم 300
78 العلة التي من أجلها وجب التسليم في الصلاة 304
79 في قصد الإمام والمأموم في التسليم 311
80 الباب السادس والثلاثون فضل التعقيب وشرائطه وآدابه... 313
81 * الباب السابع والثلاثون * تسبيح فاطمة عليها السلام وفضله وأحكامه وآداب السبحة وادارته 327
82 فيما كتبه الحميري إلى القائم عجل الله تعالى فرجه في التسبيح 327
83 في السبحة التي كانت من قبر الحسين عليه السلام 333
84 البحث في كيفية تسبيحها عليه السلام 336
85 ثواب من سبح بسبحة من طين قبر الحسين عليه السلام 341