الثاني الجلوس على العقبين مطلقا كما هو الظاهر من كلام أكثر العامة، الثالث ما اتفق عليه كلام أصحابنا من وضع صدور القدمين على الأرض ووضع الأليين على القدمين ولعل مراد أكثر العامة أيضا هذا المعنى، لان الجلوس على العقبين حقيقة لا يتحقق إلا بهذا الوجه، فإنه إذا جعل ظهر قدمه على الأرض يقع الجلوس على بطن القدمين لاعلى العقبين.
ويؤيده قول الجزري عند تفسير إقعائه صلى الله عليه وآله عند الاكل أنه كان يجلس عند الاكل على وركيه مستوفزا غير متمكن، فان المستعجل هكذا يجلس، و أما الجالس على بطون القدمين فهو متمكن مستقر وقال الجوهري: استوفز في قعدته إذا قعد قعودا منتصبا غير مطمئن، ومثله ما ذكره البغوي في تفسير الاقعاء.
وأيضا اعتذار ابن عمر بالضعف والكبر يدل على ذلك، فان الضعف يقتضي عدم تغيير القدمين عما كانتا عليه في حالة السجود، ولا يتمكن من الجلوس ثم يعود إلى السجود، ولذا قال الخطابي: معناه أنه كان يضع يديه بالأرض بين السجدتين فلا تفارقان الأرض حتى يعيد السجود، وهكذا يفعل من أقعى، وما هو المشاهد من العوام من الفريقين، حيث يجلسون هكذا بين السجدتين لسهولته عليهم، شاهد بذلك.
وأما التشبيه باقعاء الكلب فلا يلزم أن يكون كاملا من كل جهة بل يكفي أنه يشبهه في الانحناء عند الجلوس والاعتماد على الرجلين واليدين، لا سيما إذا لم يرفع يديه من الأرض، وأما الجلوس على القدمين بدون ذلك فهو أبعد من مشابهة إقعاء الكلب كما لا يخفى.
فإذا تمهد هذا فاعلم أن المعنى الأول خلاف ما هو المستحب من التورك، وأما إثبات كراهته فهو مشكل لأنه لا يدل على كراهته ظاهرا إلا أخبار الاقعاء، و هي ظاهرة في معنى آخر مشتهر بين الأصحاب، ويؤيده ما ورد في حديث زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: ولا تقع على قدميك. إذ الظاهر من الاقعاء على القدمين أن يكون الجلوس عليهما، وإن لم تكن ظاهرة في معنى آخر فمجرد الاحتمال لا يكفي للاستدلال.
فان قلت: الاشتهار بين اللغويين يؤيده، قلنا الشهرة بين علماء الفريقين في