تبيان: " فيما ناجى الله " يقال: ناجاه مناجاة ونجاء ساره والمراد هنا وحيه إليه بلا توسط ملك، وإضافة المكتوم إلى السر من إضافة الصفة إلى الموصوف للمبالغة، فان السر هو الحديث المكتوم في النفس، وكأن المراد بالسريرة هنا القلب لأنه محل السر تسمية للمحل باسم الحال، قال الجوهري: السر الذي يكتم، والجمع الاسرار، والسريرة مثله، والجمع السرائر انتهى، ويحتمل أن يكون بمعناه أي في جملة ما تسره وتكتمه من أسرارك، وكأن المراد بالسر هنا ما أمر باخفائه عنهم من العلوم التي ألقاه إليه من عدم إيمانهم مثلا، وانتهاء أمرهم إلى الهلاك والغرق، أو الحكم بكون أسلافهم في النار، كما أن فرعون لما سأله عليه السلام عن أحوالهم من السعادة والشقاوة بقوله: " فما بال القرون الأولى "؟
لم يحكم بشقاوتهم وكونهم في النار، بل أجمل وقال: " علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى " (1) على بعض الوجوه المذكورة في الآية، أو بعض الاسرار التي لم يكونوا قابلين لفهمها.
" وأظهر في علانيتك المداراة عني " كأن التعدية بعن لتضمين معنى الدفع أو يكون مهموزا من الدرء معنى الدفع، أو لان أصله لما كان من الدرء بمعنى الدفع عدي بها، والنسبة إلى المتكلم لبيان أن الضرر الواصل إليك كأنه واصل إلى، فالمراد المداراة عنك، ويحتمل أن يكون " عني " متعلقا بأظهر أي أظهر من قبلي المداراة كما قال تعالى: " وقولا له قولا لينا " (2) " ولا تستسب لي عندهم " أي لا تظهر عندهم من مكتوم سري ما يصير سببا لسبهم وشتمهم لي، أو لك فيكون بمنزلة سبي كما ورد هذا في قوله تعالى: " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " (3) فقد روى العياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال: أرأيت أحدا يسب الله؟ فقيل: لا، كيف؟ قال: من سب ولي الله فقد سب الله (4) وفي غيره عنه عليه السلام قال: لا تسبوهم فإنهم