ذو لسانين: لسان منه مع الله، والاخر مع ما سواه، فهذا أولى بالذم من ذي اللسانين.
وتحقيقه أن بدن الانسان بمنزلة مدينة كبيرة لها حصن منيع هو القلب بل هو العالم الصغير من جهة والعالم الكبير من جهة أخرى والله سبحانه هو سلطان القلب ومدبره، بل القلب عرشه، وحصنه بالعقل والملائكة، ونوره بالأنوار الملكوتية، واستخدمه القوى الظاهرة والباطنة والجوارح والأعضاء الكثيرة ولهذا الحصن أعداء كثيرة من النفس الامارة، والشياطين الغدارة، وأصناف الشهوات النفسانية، والشبهات الشيطانية، فإذا مال العبد بتأييده سبحانه إلى عالم الملكوت، وصفي قلبه بالطاعات والرياضات عن شوك الشكوك والشبهات، وقذارة الميل إلى الشهوات، استولى عليه حبه تعالى ومنعه عن حب غيره، فصارت القوى والمشاعر وجميع الآلات البدنية مطيعة للحق، منقادة له، ولا يأتي شئ منها بما ينافي رضاه، وإذا غلبت عليه الشقوة، وسقط في مهاوي الطبيعة استولى الشيطان على قلبه، وجعله مستقر ملكه ونفرت عنه الملائكة، وأحاطت به الشياطين، وصارت أعماله كلها للدنيا، وإراداته كلها للهوى، فيدعي أنه يعبد الله، وقد نسي الرحمان، وهو يعبد النفس والشيطان.
فظهر أنه لا يجتمع حب الله وحب الدنيا، ومتابعة الله ومتابعة الهوي في قلب واحد، وليس للانسان قلبان حتى يحب بأحدهما الرب تعالى ويقصده بأعماله، ويحب بالآخرة الدنيا وشهواتها، ويقصدها في أفعاله كما قال سبحانه: " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " (1) ومثل سبحانه لذلك باللسان والسيف، فكما لا يكون في فم لسانان، ولا في غمد سيفان، فكذلك لا يكون في صدر قلبان، ويحتمل أن يكون اللسان لما مر في ذي اللسانين.
وأما قوله: " فكذلك الأذهان " فالفرق بينها وبين القلب مشكل، ويمكن أن يكون القلب للحب والعزم، والذهن للاعتقاد الجزم، أي لا يجتمع في القلب حب الله وحب ما ينافي حبه سبحانه، من حب الدنيا وغيره، وكذلك لا يجتمع