إسناد (1) هذه الخواطر إلى الله تعالى.
واعلم أن الثنوية يقولون: للعالم إلهان: أحدهما خير وعسكره الملائكة والثاني شر (2) وعسكره الشياطين، وهما يتنازعان أبدا، وكل (3) شئ في هذا العالم فلكل واحد منهما تعلق به، فالخواطر الداعية إلى أعمال الخير إنما حصلت من عساكر الله والخواطر الداعية إلى أعمال الشر إنما حصلت من عساكر الشيطان، واعلم أن القول باثبات إلهين قول باطل على ما ثبت فساده بالدلائل، فهذا منتهى القول في هذا الباب.
المسألة الثانية عشر: من الناس من أثبت لهذه الشياطين قدرة على الاحياء وعلى الإماتة وعلى خلق الأجسام وعلى تغيير الاشخاص عن صورتها الأصلية وخلقتها الأولوية (4) ومنهم من أنكر هذه الأحوال وقال: إنه لا قدرة لها على شئ من هذه الأحوال، وأما أصحابنا فقد أقاموا الدلالة على أن القدرة على الايجاد والتكوين والاحداث ليست إلا لله، فبطلت هذه المذاهب كلها بالكلية، وأما المعتزلة فقد سلموا أن الانسان قادر على إيجاد بعض الحوادث، فلا جرم صاروا محتاجين إلى بيان أن هذه الشياطين لا قدرة لها على خلق الأجسام والحياة، ودليلهم هو أن قالوا الشيطان جسم، وكل جسم فإنه قادر بالقدرة، والقدرة التي لنا لا تحصل لايجاد الأجسام، فهذه مقدمات ثلاث، فالمقدمة الأولى أن الشيطان جسم، فقد بنوا هذه المقدمة على أن ما سوى الله إما متحيز وإما حال في المتحيز، وليس لهم في إثبات هذه المقدمة شبهة فضلا عن حجة.
وأما المقدمة الثانية وهي قولهم: الجسم إنما يكون قادرا بالقدرة، فقد بنوا