أصلها لأن الشيطان اقتلعها، فثبت أن القول باثبات الجن والشياطين يوجب القول ببطلان نبوة الأنبياء عليهم السلام، وأما إثبات هذه الأشياء بواسطة الدليل والنظر فهو متعذر لأنا لا نعرف دليلا عقليا يدل على وجود الجن والشياطين فثبت أنه لا سبيل لنا إلى العلم بوجود هذه الأشياء فوجب أن يكون القول بوجود هذه الأشياء باطلا، فهذا جملة شبه منكري الجن والشياطين.
والجواب عن الأول بأنا نقول: إن الشبهة التي ذكرتم تدل على أنه يمتنع كون الجن جسما فلم لا يجوز أن يقال: إنه جوهر مجرد عن الجسمية؟
واعلم أن القائلين بهذا القول فرق: الأولى: الذين قالوا: النفوس الناطقة البشرية المفارقة للأبدان قد تكون خيرة، وقد تكون شريرة، فان كانت خيرة فهي الملائكة الأرضية، وإن كانت شريرة فهي الشياطين الأرضية، ثم إذا حدث بدن شديد المشابهة ببدن تلك النفس المفارقة (1) وتعلق بذلك البدن نفس شديدة المتشابهة لتلك النفس المفارقة فحينئذ يحدث لتلك النفس المفارقة ضرب تعلق بهذا البدن الحادث وتصير تلك النفس المفارقة معاونة لهذه النفس المتعلقة بهذا البدن على الأعمال اللائقة بها فان كانت النفسان من النفوس الطاهرة المشرقة الخيرة كانت تلك المعاونة والمعاضدة إلهاما، وإن كانتا من النفوس الخبيثة الشريرة كانت تلك المعاونة والمناصرة وسوسة فهذا هو الكلام في الالهام والوسوسة على قول هؤلاء.
الفريق الثاني: الذين قالوا: الجن والشياطين جواهر مجردة عن الجسمية وعلائقها، وجنسها مخالف لجنس النفوس الناطقة البشرية، ثم إن ذلك الجنس يندرج فيه أنواع أيضا، فان كانت طاهرة نورانية فهي الملائكة الأرضية وهم المسمون بصالحي الجن، وإن كانت خبيثة شريرة فهي الشياطين المؤذية، إذا عرفت هذا فنقول:
الجنسية علة الضم، فالنفوس البشرية الطاهرة النورانية تنضم. إليها تلك الأرواح النورانية الطاهرة (2)، وتعينها على أعمالها التي هي من أبواب الخير والبر والتقوى