وأقول: هذا مذهب المجوس وإنما قال ابن عباس: هذا قول الزنادقة، لأن المجوس يلقبون بالزنادقة لأن الكتاب الذي زعم زردشت (1) أنه نزل عليه من عند الله مسمى بالزند والمنسوب إليه يسمى بالزندي (2) ثم عرب فقيل زنديق، ثم جمع فقيل زنادقة.
واعلم أن المجوس قالوا: كل ما في هذا العالم من الخيرات فهو من يزدان وكل ما فيه من الشرور من أهرمن، وهو المسمى بإبليس في شرعنا، ثم اختلفوا فالأكثرون منهم على أن أهرمن محدث، ولهم في كيفية حدوثه أقوال عجيبة، والأقلون منهم قالوا إنه قديم أزلي، وعلى القولين فقد اتفقوا على أنه شريك لله في تدبير العالم فخيرات هذا العالم من الله وشروره من إبليس.
فان قيل: فعلى هذا التقدير القوم أثبتوا لله شريكا واحدا وهو إبليس، فكيف حكى الله عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء؟ والجواب أنهم يقولون عسكر الله هم الملائكة وعسكر إبليس هم الشياطين، والملائكة فيهم كثرة عظيمة، وهم أرواح طاهرة مقدسة وهي (3) تلهم الأرواح البشرية بالخيرات والطاعات، والشياطين أيضا فيهم كثرة عظيمة وهي تلقي الوسواس الخبيثة إلى الأرواح البشرية، والله مع عسكره من الملائكة يحاربون إبليس مع عسكره من الشياطين، فلهذا السبب حكى الله عنهم أنهم أثبتوا لله شركاء من الجن.
فإذا عرفت هذا فقوله " وخلقهم " إشارة إلى الدليل القاطع الدال على فساد كون إبليس شريكا لله في ملكه، وتقريره من وجهين:
الأول أنا نقلنا عن المجوس أن الأكثرين منهم معترفون بأن إبليس ليس بقديم بل هو محدث وكل محدث فله خالق وما ذاك إلا الله سبحانه، فيلزمهم القطع