وليس لهذه الحقيقة وجود في الخارج (1).
وأما جمهور أرباب الملل والمصدقين للأنبياء عليهم السلام فقد اعترفوا بوجود الجن واعترف به جمع عظيم من قدماء الفلاسفة وأصحاب الروحانيات ويسمونها بالأرواح السفلية، وزعموا أن الأرواح السفلية أسرع إجابة إلا أنها أضعف، وأما الأرواح الفلكية فهي أبطأ إجابة إلا أنها أقوى.
واختلف المثبتون على قولين: فمنهم من زعم أنها ليست أجساما ولا حالة في الأجسام بل هي جواهر قائمة بأنفسها، قالوا: ولا يلزم من هذا أن يقال: إنها تكون مساوية لذات الله لان كونها ليست أجساما ولا جسمانية سلوب، والمشاركة في السلوب لا تقتضي المساواة في الماهية، قالوا: ثم إن هذه الذوات بعد اشتراكها في هذه السلوب أنواع مختلف بالماهية كاختلاف ماهيات الاعراض بعد استوائها في الحاجة إلى المحل، فبعضها خيرة وبعضها شريرة، وبعضها كريمة حرة محبة للخيرات، وبعضها دنيئة خسيسة محبة للشرور والآفات، ولا يعرف عدد أنواعهم وأصنافهم إلا الله تعالى، قالوا: وكونها موجودات مجردة لا يمنع من كونها عالمة بالخيرات (2) قادرة على الأفعال، فهذه الأرواح يمكنها أن تسمع وتبصر وتعلم الأفعال الخيرة (3)، فيفعل (4) الأفعال المخصوصة، ولما ذكرنا أن ماهياتها مختلفة لا جرم لا يبعد (5) أن يكون في أنواعها ما يقدر على أفعال شاقة عظيمة يعجز عنها قدرة البشر، ولا يبعد أيضا أن يكون لكل نوع منها تعلق بنوع مخصوص من أجسام هذا العالم، وكما أنه دلت الدلائل الطبيعية على أن التعلق (6)