الأسباب الخارجة، وهي إما الاتصالات الفلكية على مذهب قوم أو السبب الحقيقي فهو أن الله تعالى يخلق تلك الاعتقادات والعلوم في القلب، فهذا تلخيص الكلام في أن الفعل كيف يصدر عن الحيوان، إذا عرفت هذا فاعلم أن نفاة الشياطين ونفاة الوسوسة قالوا: ثبت أن المصدر القريب للأفعال الحيوانية هو هذه القوى المركوزة (1) في العضلات والأوتاد (2) وثبت أن تلك القوى لا تصير مصادر للفعل والترك إلا عند انضمام الميل والإرادة إليها وثبت أن تلك الإرادة من لوازم حصول الشعور بكون ذلك الشئ لذيذا أو مؤلما، وثبت أن حصول ذلك الشعور لابد وأن يكون بخلق الله تعالى ابتداء أو بواسطة مراتب شأن كل واحد منها في استلزام ما بعده على الوجه الذي قررناه، وثبت أن ترتب كل واحد من هذه المراتب على ما قبله أمر لازم لزوما ذاتيا واجبا، فإنه إذا أحس بالشئ وعرف كونه ملائما مال طبعه إليه، وإذا مال طبعه إليه تحركت القوة إلى الطلب، وإذا حصلت هذه المراتب حصل الفعل لا محالة، فلو قدرنا شيطانا من الخارج وفرضنا أنه حصلت له وسوسة كانت تلك الوسوسة عديمة الأثر، لأنه إذا حصلت تلك المراتب المذكورة حصل الفعل سواء حصل هذا الشيطان أولم يحصل وإن لم يحصل مجموع تلك المراتب امتنع حصول الفعل سواء حصل هذا الشيطان أولم يحصل، فعلمنا أن القول بوجود الشيطان وبوجود الوسوسة قول باطل، بل الحق أن نقول: إن اتفق حصول هذه المراتب في الطرف النافع سميناها بالالهام، وإن اتفق حصولها في الطرف الضار سميناها بالوسوسة، هذا تمام الكلام في تقرير هذا الاشكال.
والجواب أن كل ما ذكرتموه حق وصدق إلا أنه لا يبعد أن يكون الانسان غافلا عن الشئ، فإذا ذكره الشيطان ذلك الشئ تذكره ثم عند التذكر ترتب عليه الميل إليه وترتب (3) الفعل على حصول ذلك الميل، فالذي أتى به الشيطان الخارجي ليس إلا ذلك التذكر، وإليه الإشارة بقوله تعالى حكاية عن إبليس أنه قال: " وما كان لي عليكم من سلطان