والصحيح المختار على ما سبق عن النووي ومن وافقه، وعن محمد بن كعب القرظي:
إنه قال: الجن مؤمنون والشياطين كفار وأصلهم واحد، وسئل وهب بن منبه عن الجن ما هم؟ وهل يأكلون ويشربون ويتناكحون؟ فقال: هم أجناس، فأما الصميم الخالص من الجن فإنهم ريح لا يأكلون ولا يشربون ولا يموتون (1) في الدنيا ولا يتوالدون ولهم أجناس يأكلون ويشربون ويتناكحون وهم السعالى والغيلاب والقطارب وأشباه ذلك.
وقال القرافي: اتفق الناس على تكفير إبليس بقصته مع آدم عليه السلام وليس مدرك الكفر فيها الامتناع من السجود وإلا لكان كل من أمر بالسجود فامتنع منه كافرا وليس كذلك، ولا كان كفره لكونه حسد آدم على منزلته من الله تعالى وإلا لكان كل حاسد كافرا، وليس كذلك، ولا كان كفره لعصيانه وفسوقه وإلا لكان كل عاص وفاسق كافرا، وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء (2) فضلا عن غيرهم، وينبغي أن يعلم أنه إنما كفر لنسبة الحق جل جلاله إلى الجور والتصرف الذي ليس بمرضي، وأظهر ذلك من فحوى قوله: " أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (3) " ومراده على ما قاله الأئمة المحققون من المفسرين وغيرهم؟ أن إلزام العظيم الجليل بالسجود للحقير من الجور والظلم، فهذا وجه كفره لعنه الله، وقد أجمع المسلمون قاطبة على أن من نسب ذلك للحق تعالى وتنزه كافر.
واختلفوا هل كان قبل إبليس كافر أولا؟ فقيل: لا وإنه أول من كفر، قيل: كان قبله قوم كفار وهم الجن الذين كانوا في الأرض انتهى.
وقد اختلفوا في كفر إبليس هل كان جهلا أو عنادا على قولين لأهل السنة، ولا خلاف أنه كان عالما بالله تعالى قبل كفره، فمن قال: إنه كفر جهلا قال: إنه سلب