نعته (1): كقوله: " حب الحصيد " (2).
وأما قوله: " ما كان لي عليكم من سلطان " أي قدرة ومكنة وتسلط وقهر فأقهركم على الكفر والمعاصي والجئكم إليها، " إلا أن دعوتكم " إلا دعائي إليكم إلى الضلالة (3) بوسوستي وتزييني، والاستثناء منقطع أو متصل، لأن قدرة الانسان على حمل الغير على عمل من الاعمال تارة تكون بالقهر والقسر، وتارة تكون بتقوية الداعية في قلبه بالقاء الوساوس إليه، فهذا نوع من أنواع التسليط (4)، إلا أن ظاهر هذه الآية يدل على أن الشيطان لا قدرة له على تصريع الانسان، ولا على تعويج أعضائه وجوارحه ولا على إزالة العقل عنه كما تقوله العوام والحشوية، ثم قال: " فلا تلوموني ولوموا أنفسكم " يعني ما كان مني إلا الدعاء والوسوسة وكنتم سمعتم دلائل الله وشاهدتم مجئ أنبياء الله، فكان من الواجب عليكم أن لا تغتروا بقولي ولا تلتفتوا إلى، فلما رجحتم قولي على الدلائل الظاهرة كان اللوم عليكم لا علي في هذا الباب.
وفي هذه الآية مسألتان: الأولى: قالت المعتزلة: هذه الآية تدل على أشياء:
الأول: أنه لو كان الكفر والمعصية من الله تعالى لوجب أن يقال: فلا تلوموني ولا على أنفسكم فان الله قضى عليكم الكفر وأجبركم عليه.
والثاني: ظاهر هذه الآية تدل على أن الشيطان لا قدرة له على تصريع الانسان وعلى تعويج أعضائه ولا على إزالة العقل عنه كما تقوله العوام والحشوية.
والثالث: هذه الآية تدل على أن الانسان لا يجوز ذمه ولومه وعقابه بسبب فعل الغير، وعند هذا يظهر أنه لا يجوز عقاب أولاد الكفار بسبب كفر آبائهم.
وأجاب بعض الأصحاب عن هذه الوجوه بأن هذا القول الشيطان فلا يجوز التمسك