هو جسم، بل إن حصل التفاوت حصل في مفهوم زائد على ذلك، وأيضا فلانه يمكننا تقسيم الجسم إلى اللطيف والكثيف والعلوي والسفلي، ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام فالأقسام كلها مشتركة في الجسمية، والتفاوت إنما يحصل بهذه الصفات وهي اللطافة والكثافة وكونها علوية وسفلية، قالوا: وهاتان الحجتان ضعيفتان.
أما الحجة الأولى فلانا نقول: كما أن الجسم من حيث أنه جسم له حد واحد وحقيقة واحدة، فكذا العرض من حيث أنه عرض له حد واحد وحقيقة واحدة، فيلزم منه أن تكون الأعراض كلها متساوية في تمام الماهية، وهذا مما لا يقوله عاقل، بل الحق عند الفلاسفة أنه ليس للاعراض البتة قدر مشترك بينها من الذاتيات، إذ لو حصل بينها قدر مشترك لكان ذلك المشترك جنسا لها، ولو كان كذلك لما كانت التسعة أجناسا عالية بل كانت أنواع جنس واحد.
إذا ثبت هذا فنقول: الاعراض من حيث أنها أعراض لها حقيقة واحدة، ولم يلزم من ذلك أن يكون بينها ذاتي مشترك أصلا، فضلا عن أن تكون متساوية في تمام الماهية، فلم لا يجوز أن يكون الحال في الجسم كذلك، فإنه كما أن الأعراض مختلفة في تمام الماهية، ثم إن تلك المختلفات متساوية في وصف عارض، وهو كونه عارضا لموضوعاتها، فكذا من الجائز أن يكون ماهيات الأجسام مختلفة في تمام ماهياتها، ثم إنها تكون متساوية في وصف عارض وهو كونها مشارا إليها بالحس وحاصلة في الحيز والمكان، وموصوفة بالأبعاد الثلاثة، فهذا الاحتمال لا دافع له أصلا.
وأما الحجة الثانية وهي قولهم: إنه يمكن تقسيم الجسم إلى اللطيف والكثيف فهي أيضا منقوضة بالعرض، فإنه يمكن تقسيم العرض إلى الكيف والكم ولم يلزم أن يكون هناك قدر مشترك من الذاتي فضلا عن التساوي في كل الذاتيات، فلم لا يجوز أن يكون الأمر هنا أيضا كذلك، وإذا ثبت أنه لا امتناع في كون الأجسام مختلفة ولم يدل دليل على بطلان هذا الاحتمال، وحينئذ قالوا: لا يمتنع في بعض الأجسام اللطيفة الهوائية أن تكون مخالفة لسائر أنواع الهواء في الماهية، ثم يكون تلك الماهية تقتضي لذاتها علما مخصوصا وقدرة مخصوصة على أفعال عجيبة، وعلى هذا التقدير يكون