كان القلب غافلا عنها، فالخواطر هي المحركات للإرادات، والإرادات محركة للأعضاء ثم إن هذه الخواطر المحركة لهذه الإرادات تنقسم إلى ما يدعو إلى الشر، أعني إلى ما يضر في العاقبة إلى الخير أعني ما ينفع في العاقبة، فهما خاطران مختلفان فافتقر إلى اسمين مختلفين، فالخاطر المحمود يسمى إلهاما، والمذموم يسمى وسواسا، ثم إنك تعلم أن هذه الخواطر أحوال حادثة فلا بد لها من سبب، والتسلسل محال، فلا بد من انتهاء الكل إلى واجب الوجود، هذا مخلص كلام الغزالي، وقد حذفنا التطويل منه (1).
المسألة العاشرة: في تحقيق الكلام فيما ذكره الغزالي، واعلم أن هذا الرجل دار حول المقصود إلا أنه لا يحصل الغرض إلا من بعد مزيد التنقيح فنقول: لا بد قبل الخوض في المقصود من تقديم مقدمات، فالمقدمة الأولى لا شك أن ههنا مطلوبا ومهروبا وكل مطلوب فاما أن يكون مطلوبا لذاته أو لغيره ولا يجوز أن يكون كل مطلوب مطلوبا لغيره وأن يكون كل مهروب مهروبا عنه لغيره وإلا لزم إما الدور وإما التسلسل، وهما محالان، فثبت أنه لا بد من الاعتراف بوجود شئ يكون مطلوبا لذاته ووجود (2) شئ يكون مهروبا عنه لذاته.
والمقدمة الثانية: أن الاستقراء يدل على أن المطلوب بالذات هو اللذة والسرور والمطلوب بالتبع ما يكون وسيلة إليهما، والمهروب عنه بالذات هو الألم والحزن، و المهروب عنه بالتبع ما يكون وسيلة إليهما.
والمقدمة الثالثة: أن اللذيذ عند كل قوة من القوى النفسانية شئ آخر فاللذيذ عند القوة الباصرة شئ واللذيذ عند القوة السامعة شئ آخر، واللذيذ عند القوة الشهوانية شئ ثالث، واللذيذ عند القوة الغضبية شئ رابع، واللذيذ عند القوة العاقلة شئ خامس.