والمقدمة الرابعة: أن القوة الباصرة إذا أدركت موجودا في الخارج لزم من حصول ذلك الادراك البصري وقوف الذهن على ماهية ذلك المرئي، وعند الوقوف عليه يحصل العلم بكونه لذيذا أو مؤلما أو خاليا عنهما فان حصل العلم بكونه لذيذا ترتب على حصول هذا العلم أو الاعتقاد حصول الميل إلى تحصيله، وإن حصل العلم بكونه مؤلما ترتب على هذا العلم أو الاعتقاد حصول الميل إلى البعد عنه والفرار منه وإن لم يحصل العلم بكونه مؤلما ولا بكونه لذيذا لم يحصل في القلب لا رغبة إلى الفرار عنه ولا رغبة إلى تحصيله.
المقدمة الخامسة: أن العلم بكونه لذيذا إنما يوجب حصول الميل والرغبة في تحصيله إذا حصل ذلك العلم خاليا عن المعارض والمعاوق، فأما إذا حصل هذا المعارض لم يحصل ذلك الاقتضاء، مثاله: إذا رأينا طعاما لذيذا فعلمنا بكونه لذيذا إنما يؤثر في الاقدام على تناوله إذا لم نعتقد أنه حصل فيه ضررا زائد، أما إذا اعتقدنا أنه حصل فيه ضرر زائد، فعندئذ يعتبر العقل كيفية المعارضة والترجيح فأيهما غلب على ظنه أنه راجح عمل بمقتضى ذلك الرجحان، ومثال آخر لهذا المعنى أن الانسان قد يقتل نفسه وقد يلقي نفسه من السطح العالي إلا أنه إنما يقدم على هذا العمل إذا اعتقد أنه بسبب تحمل ذلك العمل المؤلم يتخلص عن مؤلم آخر أعظم منه أو يتوصل به إلى تحصيل منفعة أعلى حالا منها، فثبت بما ذكرنا أن اعتقاد كونه لذيذا أو مؤلما إنما يوجب الرغبة والنفرة إذا خلا ذلك الاعتقاد عن المعارض.
المقدمة السادسة في بيان أن التقرير الذي بيناه يدل على أن الأفعال الحيوانية لها مراتب مترتبة ترتيبا ذاتيا لزوميا عقليا، وذلك لأن هذه الأفعال مصدرها القريب هو القوى الموجودة في العضلات إلا أن هذه القوى صالحة للفعل والترك فامتنع صيرورتها مصدرا للفعل بدلا عن الترك وللترك بدلا عن الفعل، الا بضميمة تنضم إليها وهي الإرادات ثم إن تلك الإرادات إنما توجد وتحدث لأجل العلم بكونها لذيذة أو مؤلمة، ثم إن تلك العلوم إن حصلت بفعل انسان عاد البحث الأول فيه ولزم إما الدور وإما التسلسل وهما محالان، وإما الانتهاء إلى علوم وإدراكات وتصورات تحصل في جوهر النفس من