الشياطين عن إغوائهم ولا يقصرونهم عن ارتكاب الفواحش (1).
وقال رحمه الله في قوله سبحانه: " وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم " أي واذكروا إذ زين الشيطان للمشركين أعمالهم، أي حسنها في نفوسهم، وذلك أن إبليس حسن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النبي صلى الله عليه وآله، " وقال لا غالب لكم اليوم من الناس " أي لا يغلبكم أحد من الناس لكثرة عددكم وقوتكم " وإني " مع ذلك " جار لكم " أي ناصر لكم ودافع عنكم السوء، وإني عاقد لكم (2) عقد الأمان من عدوكم، " فلما تراءت الفئتان " أي التقت الفرقتان " نكص على عقبيه " أي رجع القهقري منهزما وراءه " وقال إني برئ منكم إني أرى ما لا ترون " أي رجعت عما ضمنت لكم من الأمان والسلامة لأني أرى من الملائكة الذين جاؤوا لنصر المسلمين " ما لا ترون " وكان إبليس يعرف الملائكة وهم كانوا يعرفونه " إني أخاف الله " أي أخاف عذاب الله على أيدي من أراهم " والله شديد العقاب " لا يطاق عقابه.
أقول: ثم ذكر رحمه الله كيفية ظهور الشيطان لهم كما ذكرناه في باب قصة بدر ثم قال:
ورأيت في كلام الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان - ره - أنه يجوز أن يقدر الله تعالى الجن ومن جرى مجراهم على أن يتجمعوا ويعتمدوا ببعض جواهرهم على بعض حتى يتمكن الناس من رؤيتهم ويتشبهوا بغيرهم من أنواع الحيوان، لأن أجسامهم من الرقة على ما يمكن ذلك فيها، وقد وجدنا الانسان يجمع الهوى ويفرقه ويغير صور الأجسام الرخوة ضروبا من التغيير وأعيانها لم تزد ولم تنقص، وقد استفاض الخبر بأن إبليس تراءى الأهل دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد، وحضر يوم بدر في صورة سراقة، وأن جبرئيل عليه السلام ظهر لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله في صورة دحية الكلبي، قال: وغير محال أيضا أن يغير الله صورهم ويكثفها في بعض الأحوال فيراهم