ولا إلى ضده، بل بقي الانسان كما كان، وعند حصول ذلك الميل الجازم يصير القدرة مع ذلك الميل موجبا للفعل، إذا عرفت هذا فنقول: صدور الفعل عن مجموعي القدرة والداعي الخالص أمر واجب فلا يكون للشيطان مدخل فيه، وصدور الميل عن تصور كونه خيرا أو تصور كونه شرا أمر واجب، فلا يكون للشيطان مدخل فيه، وحصول تصور كونه خيرا أو تصور كونه شرا غير مطلق الشعور بذاته أمر لازم فلا مدخل للشيطان فيه، فلم يبق للشيطان مدخل في هذه المقامات (1) إلا في أن أذكره شيئا (2) بأن يلقي إليه حديثه مثل أن كان الانسان غافلا عن صورة امرأة فيلقي الشيطان حديثها في خاطره، والشيطان لا قدرة له إلا في هذا المقام وهو عين ما حكى الله تعالى عنه أنه قال: " وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي " يعني ما كان مني إلا هجس (3) هذه الدعوة، فأما بقية المراتب ما صدرت مني وما كان لي أثر البتة.
بقي في هذا المقام سؤالان:
الأول: كيف يعقل تمكن الشيطان من النفوذ في داخل أعضاء الانسان وإلقاء الوسوسة إليه.
والجواب: للناس في الملائكة والشياطين قولان:
الأول: ما سوى الله بحسب القسمة العقلية على أقسام ثلاثة: المتحيز، والحال في المتحيز، والذي لا يكون متحيزا ولا حالا فيه.
وهذا القسم الثالث لم يقم الدليل البتة على فساد القول به، بل الدلائل الكثيرة قامت على صحة القول به، وهذا هو المسمى بالأرواح فهذه الأرواح إن كانت طاهرة مقدسة من عالم الروحانيات المقدسة (4) فهم الملائكة، وإن كانت خبيثة داعية إلى