الأول للنفس الناطقة التي ليس للانسان (1) إلا هي، هي الأرواح وهي أجسام بخارية لطيفة تتولد من ألطف أجزاء الدم وتتكون في الجانب الأيسر من القلب، ثم بواسطة تعلق النفس بهذه الأرواح تصير متعلقة بالأعضاء التي تسري فيها هذه الأرواح لم يبعد أيضا أنه يكون (2) لكل واحد من هؤلاء هو المتعلق الأول لذلك الروح، ثم بواسطة سريان ذلك الهواء في جسم آخر كثيف يحصل لتلك الأرواح تعلق تصرف في تلك الأجسام الكثيفة.
ومن الناس من ذكر في الجن طريقة أخرى فقال: هذه الأرواح البشرية والنفوس الناطقة إذا فارقت أبدانها، ازدادت قوة وكمالا بسبب ما في ذلك العالم الروحاني من انكشاف الأسرار الروحانية فإذا اتفق أن حدث بدن آخر مشابه لما كان لتلك النفس المفارقة من البدن فبسبب تلك المشاكلة يحصل لتلك النفس المفارقة تعلق ما بهذا البدن وتصير تلك النفس المفارقة كالمعاونة لنفس ذلك البدن في أفعالها وتدبيرها لذلك البدن، فان الجنسية علة الضم، فان اتفقت هذه الحالة في النفوس الخيرة سمي ذلك المعين ملكا وتلك الإعانة إلهاما، وإن اتفقت في النفوس الشريرة سمى ذلك المعين شيطانا وتلك الإعانة وسوسة.
والقول الثاني في الجن أنهم أجسام، ثم القائلون بهذا المذهب اختلفوا على قولين: منهم من زعم أن الأجسام مختلفة في ماهياتها، إنما المشترك بينها صفة واحدة وهي كونها بأسرها حاصلة في الحيز والمكان والجهة، وكونها موصوفة بالطول والعرض والعمق، وهذه كلها إشارة إلى الصفات، والاشتراك في الصفات لا يقتضي الاشتراك في تمام الماهية لما ثبت أن الأشياء المختلفة في تمام الماهية لا يمتنع اشتراكها في لازم واحد، قالوا: وليس لأحد أن يحتج على تماثل الأجسام بأن يقال: الجسم من حيث أنه جسم له حد واحد وحقيقة واحدة، فيلزم أن لا يصل التفاوت في ماهية الجسم من حيث