الثانية: اختلف أصحابنا والمخالفون في أن إبليس هل كان من الملائكة أم لا؟
فالذي ذهب إليه أكثر المتكلمين من أصحابنا وغيرهم أنه لم يكن من الملائكة، وقد مرت الأخبار الدالة عليه. قال الشيخ المفيد رحمه الله في كتاب المقالات: إن إبليس من الجن خاصة وإنه ليس من الملائكة ولا كان منها، قال الله تعالى: " إلا إبليس كان من الجن (1) " وجاءت الاخبار متواترة عن أئمة الهدى من آل محمد عليهم السلام بذلك، وهو مذهب الإمامية كلها وكثير من المعتزلة وأصحاب الحديث (2) انتهى.
وذهب طائفة من المتكلمين إلى أنه منهم، واختاره من أصحابنا شيخ الطائفة روح الله روحه في التبيان وقال: وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام والظاهر في تفاسيرنا، ثم قال رحمه الله: ثم اختلف من قال: كان منهم. فمنهم من قال: إنه كان خازنا على الجنان، ومنهم من قال: كان له سلطان سماء الدنيا وسلطان الأرض، ومنهم من قال: إنه كان يوسوس ما بين السماء والأرض (3) انتهى.
واحتج الأولون بوجوه: أحدها قوله تعالى: " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه " قالوا: ومتى أطلق لفظ الجن لم يجز أن يعنى به إلا الجنس المعروف الذي يقابل بالانس في الكتاب الكريم.
وأجيب عنه بوجهين: الأول أن معنى " كان من الجن " صار من الجن كما أن قوله: " وكان من الكافرين " معناه صار من الكافرين ذكر ذلك الأخفش وجماعة من أهل اللغة.
الثاني: أن إبليس كان من طائفة من الملائكة يسمون جنا من حيث كانوا خزنة الجنة وقيل: سموا جنا لاجتنانهم من العيون، واستشهدوا بقول الأعشى في سليمان عليه السلام:
وسخر من جن الملائك تسعة * قياما لديه يعملون بلا أجر