التي هي الاسلام، واستعمال الجوارح والقوى فيما لا يعود على النفس كمالا ولا يوجب لها من الله زلفا، وعموم اللفظ يمنع الخصاء مطلقا، لكن الفقهاء رخصوا في خصاء البهائم للحاجة، والجمل الأربع حكاية عما ذكره الشيطان نطقا أو أتاه فعلا.
" ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله " بايثاره ما يدعوه إليه على ما أمره الله به ومجاوزته عن طاعة الله إلى طاعته " فقد خسر خسرانا مبينا " إذ ضيع رأس ماله وبدل مكانه من الجنة بمكان من النار " يعدهم " ما لا ينجز " ويمنيهم " ما لا ينالون " وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " وهو إظهار النفع فيما فيه الضرر، وهذا الوعد إما بالخواطر الفاسدة أو بلسان أوليائه " ولا يجدون عنها محيصا " معدلا ومهربا (1).
وقال الرازي بعد إيراد كلام المفسرين: ويخطر ببالي ههنا وجه آخر في تخريج الآية على سبيل المعنى وذلك لأن دخول الضرر والمرض في الشئ يكون على ثلاثة أوجه: التشوش، والنقصان، والبطلان، فادعى الشيطان إلقاء أكثر الخلق في مرض الدين وضرر الدين وهو قوله: " ولأمنينهم " ثم إن هذا المرض لابد وأن يكون على أحد العلل الثلاثة التي ذكرناها وهي التشوش والنقصان والبطلان.
فأما التشوش فالإشارة إليه بقوله: " ولأمنينهم " وذلك لأن صاحب الأماني يستعمل عقله وفكره في استخراج المعاني الدقيقة والحيل والوسائل اللطيفة في تحصيل المطالب الشهوانية والغضبية، فهذا مرض روحاني من جنس التشوش.
وأما النقصان فالإشارة إليه بقوله: " ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام " وذلك لأن بتك الآذان نوع من النقصان، وهذا لأن الانسان إذا صار بحيث يستغرق العقل في طلب الدنيا صار فاتر الرأي ضعيف الحزم في طلب الآخرة.
وأما البطلان فالإشارة بقوله: " فليغيرن خلق الله " وذلك لأن التغيير (2) يوجب بطلان الصفة الحاصلة في المرة الأولى، ومن المعلوم أن من بقي مواظبا على طلب اللذات العاجلة معرضا عن السعادات الروحانية فلا يزال يشتد في قلبه الرغبة في الدنيا