وليس للشفتين قوة إلا باللسان (1)، وليس يستغني بعضها عن بعض. والكلام لا يحسن إلا بترجيعه في الانف، لان الانف يزين الكلام كما يزين النافخ (2) في المزمار وكذلك المنخران، وهما ثقبتا (3) الانف، يدخلان على الملك مما يحب من الرياح الطيبة، فإذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى إلى اليدين فحجبا بين الملك وتلك الريح.
وللملك مع هذا ثواب وعقاب، فعذابه أشد من عذاب الملوك الظاهرة القاهرة في الدنيا، وثوابه أفضل من ثوابهم! فأما عذابه فالحزن، وأما ثوابه فالفرح، وأصل الحزن في الطحال، وأصل الفرح في الثرب والكليتين، ومنهما عرقان موصلان إلى الوجه، فمن هناك يظهر الفرح والحزن، فترى علامتهما في الوجه. وهذه العروق كلها طرق من العمال إلى الملك ومن الملك إلى العمال، ومصداق ذلك أنك (4) إذا تناولت الدواء أدته العروق إلى موضع الداء بإعانتها.
واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة، متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق. ولا ينقص منه فتعطش، دامت عمارتها. و كثر ريعها، وزكى زرعها، وإن تغوفل عنها فسدت، ولم ينبت فيها العشب، فالجسد بهذه المنزلة.
وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصلح ويصح، وتزكو العافية [فيه] فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك، ويوافق معدنك، ويقوى عليه بدنك، ويستمرئه من الطعام فقدره لنفسك واجعله غذاءك.