نظير ذلك قوله تعالى " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا (1) ومعلوم أن السماوات والأرض والجبال جماد لا تعرف الكفر من الايمان ولكن المعنى في ذلك إعظام ما فعله المبطلون، وتفوه به الضالون، وأقدم به المجرمون من الكفر بالله تعالى، وأنه من عظمه جار مجرى ما يثقل باعتماده على السماوات و الأرض والجبال، وأن الوزر به كذلك، وكان الكلام في معناه ما جاء به التنزيل مجازا واستعارة كما ذكرناه، ومثل ذلك قوله تعالى " وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار - الآية - (2) " ومعلوم أن الحجارة جماد لا يعلم فيخشى أو يرجو ويؤمل وإنما المراد بذلك تعظيم الوزر في معصية الله تعالى وما يجب أن يكون العبد عليه من خشية الله [تعالى] وقد بين الله ذلك بقوله في نظير ما ذكرناه " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال - الآية - (3) " فبين بهذا المثل عن جلالة القرآن وعظم قدره وعلو شانه وأنه لو كان كلام يكون به ما عده ووصفه لكان بالقرآن لعظم قدره على سائر الكلام وقد قيل: إن المعنى في قوله " إنا عرضنا الأمانة " عرضها على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال، والعرب يخبر عن أهل الموضع بذكر الموضع ويسميهم باسمه قال الله تعالى " واسأل القرية التي كنا فيها والعير (4) " يريد أهل القرية وأهل العير وكان العرض على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال قبل خلق آدم وخيروا بين التكليف لما كلفه آدم وبنوه فأشفقوا من التفريط فيه واستعفوا منه فاعفوا، فتكلفه الانسان ففرط فيه، وليست الآية على ما ظنه السائل أنها هي الوديعة وما في بابها ولكنها التكليف الذي وصفناه. ولقوم من أصحاب الحديث الذاهبين إلى الإمامة جواب تعلقوا به من جهة بعض الأخبار وهي أن الأمانة هي الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام، وأنها عرضت قبل خلق آدم على السماوات والأرض والجبال ليأتوا بها على شروطها فأبين من حملها على ذلك خوفا من تضييع الحق فيها وكلفها الناس فتكلفوها ولم يؤد أكثرهم حقها (انتهى).
(٢٨٢)