ذو القرنين: لا بد من أن أسلكها. فقالت العلماء: شأنك بها. فقال ذو القرنين: أي الدواب أبصر؟ قالوا: الخيل. قال: فأي الخيل أبصر؟ قالوا: الإناث. قال: فأي الإناث أبصر؟ قالوا: البكارة. فأرسل ذو القرنين فجمع له ستة آلاف فرس أنثى بكارة ثم انتخب من عسكره أهل الجلد والعقل ستة آلاف رجل، فدفع إليهم كل رجل فرسا، وعقد للخضر على مقدمته على ألفين وبقي ذو القرنين في أربعة آلاف. وقال ذو القرنين للناس: لا تبرحوا من معسكركم هذا اثني عشرة سنة فإن نحن رجعنا إليكم وإلا فارجعوا إلى (1) بلادكم. فقال الخضر: أيها الملك، إنا نسلك ظلمة [هو] لا ندري كم السير (2) فيها ولا يبصر بعضنا بعضا، فكيف نصنع بالضلال إذا أصابنا؟ فدفع ذو القرنين إلى الخضر خرزة حمراء فقال: حيث يصيبكم الضلال فاطرح هذه في الأرض فإذا صاحت فليرجع أهل الضلال إليها أين صاحت. فصار الخضر بين يدي ذي القرنين يرتحل الخضر وينزل ذو القرنين، فبينما الخضر يسير إذ عرض له واد فظن أن العين في الوادي والقي في قلبه ذلك، فقام على شفير الوادي وقال لأصحابه: قفوا ولا يبرحن رجل من موقفه! فرمى بالخرزة فمكث طويلا ثم أجابته الخرزة فطلب صوتها فانتهى إليها، فإذا هي على جانب العين، فنزع الخضر ثيابه ثم دخل العين فإذا ماء أشد بياضا من اللبن وأحلى من الشهد فشرب واغتسل وتوضأ ولبس ثيابه، ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فوقفت الخرزة فصاحت، فرجع الخضر إلى صوتها وإلى أصحابه، فركب وقال لأصحابه: سيروا باسم الله.
ومر ذو القرنين فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما وليلة، ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر ولا أرض حمراء ورملة خشخاشة - أي مصوتة - فإذا هو بقصر مبني في تلك الأرض طوله فرسخ في فرسخ عليه باب فنزل ذو القرنين بعسكره ثم خرج وحده حتى دخل القصر، فإذا حديدة قد وضعت طرفاها على جانب القصر من ههنا وههنا وإذا بطائر (3) أسود شبيه بالخطاف مزموم بأنفه إلى الحديدة معلق بين السماء والأرض