ومضيت بنور الله عز وجل حين وقفوا، ولو اتبعوك لهدوا، [و] كنت أخفضهم صوتا وأعلاهم فوتا (1)، وأقلهم كلاما، وأصوبهم منطقا، وأكثرهم رأيا، وأشجعهم قلبا وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالأمور، كنت والله للدين يعسوبا، وكنت للمؤمنين (2) أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا (3)، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، وأدركت إذ تخلفوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا، وكنت على الكافرين عذابا صبا، وللمؤمنين غيثا وخصبا، فطرت والله بعنانها، وفزت بجنانها، وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائلها لم يفلل حدك (4) ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخن.
كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، وكنت - كما قال النبي - ضعيفا في بدنك قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك عظيما عند الله عز وجل، كبيرا في الأرض جليلا عند المؤمنين، لم يكن لاحد فيك مهمز ولا لقائل فيك مغمز (5) ولا لاحد عندك هوادة القوي (6) العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، و البعيد والقريب (7) عندك في ذلك سواء شأنك الحق والرفق والصدق (8) وقولك حكم وحتم، وأمرك حلم وحزم ورأيك علم وعزم، فأقلعت (9) وقد نهج السبيل وسهل