قام بالأمر بعده، وأصدر مصدره، وإن لابني فاطمة (1) من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وقربة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وتكريما لحرمته وتشريفا لوصلته، ويشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله وينفق من ثمره حيث امر به وهدي له، وأن لا يبيع من أولاد نخيل هذه القرى ودية حتى تشكل أرضها غراسا، ومن كان من إمائي اللاتي أطوف عليهن لها ولد أو هي حامل فتمسك على ولدها وهي حظه، فإن مات ولدها وهي حية فهي عتيقة، قد أفرج عنها الرق وحررها (2) العتق.
قوله عليه السلام في هذه الوصية: " وأن لا يبيع من نخلها ودية " الودية: الفسيلة وجمعها ودي.
وقوله عليه السلام: " حتى تشكل أرضها غراسا " هو من أفصح الكلام، والمراد به أن الأرض يكثر فيها غرائس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها، فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها (3).
بيان: قال الجزري في حديث علي عليه السلام: " خلاكم ذم ما لم تشردوا " يقال افعل ذلك وخلاك ذم، أي أعذرت وسقط عنك الذم (4).
قال ابن أبي الحديد: لقائل أن يقول: إذا أوصاهم بالتوحيد واتباع سنة النبي صلى الله عليه وآله فقد دخل فيهما جميع ما يجب أن يفعل، ففي أي شئ يقول " وخلاكم ذم "؟ والجواب أن كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا قد كلفوا أنفسهم أمورا شاقة جدا، فمنهم من كان يقوم الليل كله، ومنهم من كان يصوم الدهر كله، ومنهم تارك النكاح، ومنهم تارك المطاعم والملابس، وكانوا يتفاخرون بذلك ويتنافسون، فأراد عليه السلام أن المهم الأعظم القيام بالتوحيد والسنن المؤكدة المعلومة من دين محمد