فراره " أي من الأمور المقدرة الحتمية كالموت، قال الله تعالى: " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم (1) " وإنما قال عليه السلام: " في فراره " لان كل أحد يفر دائما من الموت وإن كان تبعدا. والمساق مصدر ميمي، وليست في نهج البلاغة كلمة " إليه " فيحتمل أن يكون المراد بالأجل منتهى العمر والمساق ما يساق إليه، وأن يكون المراد به المدة فالمساق زمان السوق. وقوله عليه السلام:
" والهرب منه موافاته " من حمل اللازم على الملزوم، فإن الانسان ما دام يهرب من موته بحركات وتصرفات يفني عمره فيها، فكأن الهرب منه موافاته، والمعنى أنه إذا قدر زوال عمر أو دولة فكل ما يدبره الانسان لرفع ما يهرب منه يصير سببا لحصوله، إذ تأثير الأدوية والأسباب بإذنه تعالى، مع أنه عند حلول الأجل يصير أحذق الأطباء أجهلهم، ويغفل عما ينفع المريض، وهكذا في سائر الأمور.
وقال الفيروزآبادي: الطرد: الابعاد وضم الإبل من نواحيها، وطردتهم أتيتهم وجزتهم، وأطرده: أمر بطرده أو باخراجه عن البلد، واطرد الامر: تبع بعضه بعضا وجرى، انتهى (2)، ويحتمل أن يكون الاطراد بمعنى الطرد والجمع أو الامر به مجازا، ويمكن أن يقرأ " اطردت " على صيغة الغائب بتشديد الطاء فالأيام فاعله، قال أكثر شراح النهج: كأنه عليه السلام جعل الأيام أشخاصا يأمر بإخراجهم وإبعادهم عنه، أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي وأي وقت يكون بعينه، وفي أي أرض يكون يوما يوما، فإذا لم أجده في يوم طردته واستقبلت يوما آخر، وهكذا حتى وقع المقدر، قالوا: وهذا الكلام يدل على أنه عليه السلام لم يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله أعلمه بذلك مجملا، و " مكنون هذا الامر " أي المستور من خصوصيات هذا الامر، أو المستور هو هذا الامر فالمشار إليه شئ متعلق بوفاته. و " هيهات " أي بعد الاطلاع عليه فإنه علم مكنون مخزون، ومن خواص المخزون ستره والمنع من أن يناله أحد