والجهال تهذي بتركها، وتعتمد على نفيها.
قالوا: روى الحكم وأبو وائل وصعصعة بن صوحان أنه قد قيل لعلي: ألا توصي؟ فقال: أوصى رسول الله فأوصي؟ قلنا: ذلك شاذ نادر مختلف، فلا يعارض ما ذكرناه من المتواتر المؤتلف، لأن في الخبر (ما أوصى رسول الله فأوصي ولكن إن أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خير كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم) فهذا يدل على أفضلية أبي بكر على علي عليه السلام والمشهور منه أنه كان يقدم نفسه على أبي بكر وغيره، وقد علم طرف من ذلك في باب فضائله، على أن الخبر يقبل التأويل بأن يكون (ما) بمعنى (الذي) أي الذي أوصى رسول الله فأوصي، ويكون قوله:
إن أراد الله بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم، عنى به ولديه وذريته، وإضافة الجمع إلى الله يعني بألطافه الزائدة عن القدر الواجب، وقوله: كما جمعهم بعد نبيهم: أي جمعهم على علي حين أوحى النص فيه، فبلغ النبي صلى الله عليه وآله.
فإن قلت: لو جمعهم الله عليه لم يتخلفوا عنه، قلت: لا يلزم من جمعهم اجتماعهم إذ ليس يواقع كل مراد على سبيل الاختيار، بل ذلك إنما يكون بالاكراه و الاجبار، وستأتي وصيته على أولاده في النصوص إن شاء الله تعالى.
ولقد رأيت ثلاثا وثلاثين طرفة في الوصية المذكورة نقلها السيد الإمام ابن طاؤوس رضي الله عنه، في خبر مفرد سأضع محصلها في هذا الباب، ليهتدي به أولوا الألباب، ولأتيمن بذكرها، وأتقرب إلى الله تعالى بنشرها، فإن فيها شفاء لما في الصدور، يعتمد عليها من يريد تحقيق تلك الأمور، وقد روى يونس بن الصباح المزني عن الصادق عليه السلام أن الله تعالى عرج بالنبي صلى الله عليه وآله مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا ويوصيه الله بالولاية لعلي عليه السلام والأئمة، أكثر مما يوصيه بالفرائض.