اجتمع في جنازة في قرية من قرى جبل عامل سبعون مجتهدا في عصر الشهيد الثاني وما قاربه، وستعرف أن عدد علمائهم يقارب خمس عدد علماء المتأخرين، وكذا مؤلفاتهم بالنسبة إلى مؤلفات الباقين، مع أن بلادهم بالنسبة إلى البلدان أقل من عشر العشر، أعني جزء من مئة جزء...).
وليس ذلك غاية في الغرابة فهناك مدن اشتهرت بكثرة تخريج العلماء والأدباء لكن الغرابة في الميزة التي تجلت في علماء جبل عامل من حيث العظمة، فالعلماء العامليون بالرغم من كثرة عددهم عظماء وعباقرة، ونوابغ وأفذاذ، وجملة منهم يعدون من أعظم علماء المسلمين وأساطين الدين، وزعماء المذهب الشيعي وعمد الطائفة وأركانها، وقد مرت بعض الفترات صارت الرحلة فيها إلى جبل عامل إذ ظهر هناك أعلام، قصدهم الطلاب من كل صوب وحدب كما اتفق ذلك في عصر المحقق الميسي المتوفى سنة 938 ه فقد بلغ عدد تلامذته أربع مئة، ونذكر على سبيل المثال عددا من مشايخ الاسلام العامليين ونموذجا من عظماء العلم المحققين ليكون تذكرة للمبتصرين وهم:
1 - الشهيد الأول: الشيخ محمد بن مكي الجزيني المستشهد سنة 786 ه وهو أول من هذب كتب الفقه الجعفري عن أقوال المخالفين، وكتابه (اللمعة الدمشقية) من كتب الفقه الدراسية في عواصم العلم الشيعية إلى اليوم.
2 - المحقق الثاني (1): الشيخ علي الكركي صاحب (جامع المقاصد) والمتوفى سنة 940 ه. وهو أول من قال بنظرية (الترتب) في علم الأصول، وأنكر على أساسها ثمرة الضد، و (نظرية الترتب) من أدق النظرات العلمية ولا تزال موضع بحث عند العلماء المعاصرين، وقد كان شيخنا المحقق الآخوند محمد كاظم الخراساني صاحب (الكفاية) يرى الترتب محالا، بينما كان المحقق الميرزا حسين النائيني يراه من البديهيات.