وكنت قد اعتدت على تلبية هذا النوع من الطلبات، والنزول عند أمثال تلك الرغبات، لما فيه من تشجيع للشباب والناشئين، وتأييد وترويج للمعاصرين من المؤلفين والناشرين. وأداء حق بالنسبة للسلف الصالح من مشايخنا الماضين كانت هذه حالي قبل اليوم كما يعرفه الكثيرون أما اليوم، وبعد أن بلغت هذه المرحلة من العمر، وكدت أقطع الشوط الأخير، وأصبح الضعف ظاهرا جليا على المدارك والحواس، وأخذت رعشة اليد تشوش - بل تشوه - ما تخطه (ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا (1)) وصرت أنظر إلى آثاري الناقصة أو المحتاجة إلى التهذيب نظرة أسف وألم، لأني أرى نفسي مشرفا على الزوال وسأتركها - مرغما - على هذه الحال، أما اليوم وبعد كل ذلك فقد صرت أعتذر إلى ذلك النفر، إذ ليس لي من الاعتذار مهرب ولا مفر، وذلك عن قصور لا تقصير، وعجز لا تثاقل، وضعف لا تماهل، على أن في الطالبين و الراغبين من لا يسهل علي رد طلبه، وفي الآثار ما أحب أن لا يفوتني التنويه عنه أو التعريف به، ولكنني كما قال الشاعر:
أهم بأمر العزم لو أستطيعه * وقد حيل بين العير والنزوان وقبيل مدة وجيزة كتب إلي من طهران الوجيه الموفق والفاضل الشهم الشيخ عبد الكريم المرتضوي زاده الله توفيقا وتأييدا: أنه عازم على نشر كتاب (الصراط المستقيم إلى مستحقي التقديم) للشيخ البياضي العاملي رفع الله درجته، وأجزل مثوبته، وطلب مني كتابة مختصر عن حياة المؤلف وبيئته، وصحة سند الكتاب و وثاقته، وقد أهملت طلبه لضعفي وعجزي، بالرغم من وجاهة الطلب، وأهمية الكتاب وجلالة قدر المؤلف، إلا أنه قد كرر الطلب وطالب بالإجابة، مما اضطرني للتحامل على نفسي وبعث ما بقي من الهمة وتحريك اليراع الكيل ليؤدي حق المقام - ولا أراه قادرا - فكان ما يراه القاري، وأرجو مخلصا أن يسلم من الهفوات والهنات، و الأخطاء والغفلات، وإن وجد فيه أهل الفضل تساهلا في التعبير، أو تقصيرا في