التتبع، أو بعدا عن المرمى، وخروجا عن الغرض فعذرنا إليهم أن ذلك عن غفلة؟
لا عمد، وسهو لا قصد تمهيد:
إمتاز جبل عامل بخصائص تفوق بها على كثير من البلاد، واختص بمزايا فضلته على سائر البقاع والأصقاع، فقد اشتهر بنقاء التربة ورقة الهواء، وطيب المناخ وعذوبة الماء، وأثرت تلك العوامل في أهله فأخصبت أذهانهم، وأرهفت أحاسيسهم وفتحت قرائحهم، وصقلت عقولهم، وأنارت قلوبهم، وأضاءتها بنور العرفان فكان منهم الحجج الاثبات، والدعائم والأركان، والعباقرة والنوابغ، والأجلاء و الأكابر، الذين صاروا غرة ناصعة في جبين الدهر، يفخر تاريخ الجبل بهم، ويباهي بأمجادهم ومآثرهم ولعل أبرز خصائص هذا الجبل الأشم، وأظهر مميزاته وأهمها، سبقه إلى التشيع؟
فتاريخ التشيع فيه قديم قدم الاسلام، وتنص المصادر الوثيقة ويثبت الاستقراء: أن التشيع في تلك المناطق وما والاها أقدم منه في كل بلاد الاسلام ما عدا الحجاز، فقد سبق إلى ذلك في مدينة الرسول أقوام استضاؤا بنور الله تعالى، فاقتدوا بسنة رسوله، و حفظوا عهده، وتمسكوا بالثقلين بعده، فكانوا السابقين الفائزين، والقدوة الطيبة لأبناء الفرقة الناجية من أهل الحق واليقين، وكان غارس بذرة التشيع في تلك البلاد، من الشام وما والاها، هو الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري - ره - فقد نفاه عثمان إلى الشام فالتف أهلها حوله، وتنقل في بعض قراها وكان لدعوته أثرها الطيب، ولغرسه ثمره الجني (1)، فقد تشيع على يده يومذاك كثير من الناس، و نما التشيع شيئا فشيئا في تلك الأطراف حتى أصبحت عاملة من بلاد الشيعة المعدودة (2)