وما علم الرازي أيضا أنه ليس كل من صاغ حلية أو بني بناء عرف قيمة الجواهر وسائر آلات البناء ومن حررها ودبرها وبدأها بالإنشاء، فلما تحدى الرازي العلماء بلغ ذلك إلى بعض الزهاد من لسان بعض تلامذة الرازي فقال له الزاهد للتلميذ استادك الرازي لا يعرف الله، فثقل على التلميذ ذلك وقال للزاهد: عن إذنك أعرفه. فقال الزاهد: نعم، فعرفه التلميذ الرازي فركب في جمعه ومماليكه وكان صاحب دنيا وسيعة وجاء إلى الزاهد فقال له: قد بلغني عنك أنك إنني لا أعرف الله تعالى.
فقال الزاهد: نعم قلت. فقال له الرازي من أين عرفت إنني لا أعرف الله تعالى؟ فقال له الزاهد: لأنك لو عرفته كما تدعي كمال المعرفة والتحقيق شغلتك معرفته وخدمته ومراقبته عن هذه الدنيا الفانية التي تعبدها من دونه، فانقطع الرازي وعرف لزوم الحجة له.
قلت أنا: ومن وقف وصية الرازي عند موته إن كتبه التي صنفها جميعا ما اكتسب منها دينا ولا حصل منها يقينا زهده ذلك في ترك التعلم منها ووجب عليه الإعراض عنها.
ومن علماء المجبرة أبو حامد محمد بن محمد الغزالي وهو من أعظم علمائهم ومن الذين صنفوا لهم في علم الكلام وعلم الجدل وعلم أصول الفقه وفي الفقه، وكان له ثلاثمائة تلميذ، وعاد وصنف في الزهد فقال في أعظم كتاب صنفه في ذلك وسماه كتاب (إحياء علوم الدين) في كتاب قواعد العقائد وهو الكتاب الثاني من كتاب إحياء علوم الدين في الأصل الثالث منه ما هذا لفظه:
ولا يجري في الملك والملكوت طرفة عين ولا لفتة خاطر ولا فلتة ناظر إلا بقضاء الله وقدره وبإرادته ومشيته، ومنه الخير والشر والنفع والضر والإسلام والكفر والعرفان والمنكر والفوز والخسران والغواية والرشد والطاعة والعصيان