أفعاله الصادرة عن العباد في الصورة وهي صادرة عنه في التحقيق خارجة عن حكم اختياره وبطل على قولكم كونه مختارا وصرتم إلى مذهب الفلاسفة في أنه جل وعلا غير مختار.
ومما يقال: لمن قال إن الفعل مقضي على العباد تفسير المجبرة أوضح معنى قولك إنه مقضي، أتريد أن الفعل من الله تعالى في التحقيق وقضاه على عبده أم لا؟ فإن أردت أن الله قضاه وهو فعل له سبحانه فإذا كان العبد ما استقل بالفعل ولا قام به وأن الله تعالى هو الفاعل له حقيقة، فكيف يصير مقضيا لأنه ليس ههنا عبد فاعل عندهم أصلا حتى يكون فعل هذا العبد مقضيا عليه إلا هو عندهم فعل الله، فليت شعري ومن قضى الفعل على الله حتى يسمى مقضيا وإن أردت أن الله ما انفرد بالفعل فقد تركت مذهبك وعدت إلى العدل والحمد لله، وما يصير الفعل مقضيا بالتفسير يفسرونه، لأنه لا يصح أن يقال إن العبد جعل نفسه مجبرا مقهورا في حال كونه مختارا وقضاه على نفسه - فسره المجبرة.
ومما يقال للمجبرة: وهو من طرائف ما يحتج به عليهم أنه لو كان الأمر كما تقول المجبرة من أن كلما في الوجود من الأفعال والأحوال الصادرة عن بني آدم أنها أفعال الله خاصة ما كان قد ورد في القرآن ولا في السنة لفظ ضلال أحد ولا كفره وفاحشة ولا منكر ولا فساد ولا ظلم ولا عناد ولا غير ذلك من أنواع النقائص والرذائل، ولا كان يوجد كافر ولا جاحد ولا معاند ولا كان يقع في الكفار سب لله تعالى ولا لأنبيائه، بل ما كان يقع بين اثنين والأكثر سباب ولا افتراق ولا منازعة ولا شقاق، لأنه إذا كان كل ذلك من الله تعالى فكله هدى وإيمان وصلاح ووفاق وتمام واتفاق ولأنه ما كان الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا يسب نفسه ولا يجحد نفسه ولا يعاند نفسه ولا يعاقب نفسه ولا يخالف نفسه ولا يعادي