عبد الله، وأرسل إليه وهو ببلد كتامة يدعوه إلى الرجوع عما هو عليه، ويحذره نفسه. وقد ذكرت ما جرى بينهما في كتاب الدولة. ولما تبين أنه صاحب الامر أعرض عنه، وكان إذا خلا مع من يثق به فجرى ذكره يقول: والله لو دخل من آخر أبواب مدينتي هذه لأخرجن من باب آخر. ثم ظهر يومه، فخرج من إفريقيا إلى بلد الروم (1) غازيا، وأسلم ملكه (2) لما علم أن أمر أبي عبد الله وظهوره على إفريقيا قد قرب.
وكان لما بلغه أمر الحربي هذا بعث في طلبه، فحمل إليه وهو ابن أربع وتسعين سنة، فسأله أن يخبره بما عنده في أمر مدتهم ودولتهم، فأنكر أن يكون عنده علم من ذلك ويلوك منه، فجزم عليه، وآمنه، وحلف له أن اخبره ليحسن إليه، وأن لا يناله إلا كل ما يحبه، وتواعده بالمكروه إن تمادى على كتمان ذلك عنه، وكان الحربي شاعرا، وكان له قصيدة في ذلك تعرف بقصيدة الحربي طويلة، عرض فيها لخبر ما يكون تعريضا دون التصريح لما خاف أن يهيجه ذلك، فيناله مكروه منه، أولها:
أقول وأسلمت القريض لأهله * وعشت زمانا وهو خير مكاعب أمن بعد تسعين سنينا أعدها * وأربعة من بعد ذاك رواتب أزاحم أهل الشعر بالشعر راجزا * أبى الله هذا بعد أن جب غاربي ولكنني أرجو من الله عفوه * بأوبة مأمون السريرة تائب وآمل غفرانا بفضل تلاوة * ارددها ليلي بفكرة آيب صرفت أموري للذي أنا عبده * لعى رب العرش معطي الرغائب فلست حياتي سائلا غير ذي العلى * وإلا فجبت من يميني رواجبي ألا يا أمين الله وابن أمينه * وعاشر سادات الملوك الأغالب