وكان أبو عبد الله من خيار المؤمنين وأفضلهم من الدين في نهايته، ومن الورع في غايته، لطيفا عاقلا عالما بالتأويل، يحسن منه ما يقول.
وانصرف من عند أبي القاسم من اليمن في وقت خروج الحجيج من اليمن للحج، فصار إلى مكة. فلما استقر الحجيج بمنى في أيام التشريق، جعل أبو عبد الله يسأل عن موضع نزول أهل المغرب ليخرج في جملتهم إذا نفروا. فمر برجال من كتامة قد كانوا حجوا في ذلك العام ممن كان تشيع بأسباب الحلواني ممن لم يلحقه، فسمعهم يتذاكرون فضل أمير المؤمنين علي عليه السلام، وجلس إليهم وفاتحهم في ذلك، فمالوا إليه، ووجدوا عنده من ذلك ما لم يكونوا سمعوا به، وأعجبوا به، وسألوه عن بلده، فذكر لهم أنه من أهل المشرق ولكنه يريد المغرب، فسروا بذلك، واغتبطوا بصحبته، وكان منهم إليه اكرام واجلال، وجرى من حضره معهم ما يطول ذكره مما قد ذكرناه في غير هذا الكتاب مما ذكرنا إنا ألفناه.
وخرج معهم من مكة حتى صاروا إلى سوجمار حيث كان الحلواني، فهو من بلد كتامة، مسيرة يوم، نزلوا عند شيوخ لهم من الشيعة قد أدرك بعضهم الحلواني، واجتمع أولئك الشيوخ عند أبي عبد الله فوجد عندهم المعرفة والتهيؤ للقبول ما لم يجده عند الذين قدم معهم، ففتح لهم بعض ما عنده، فخلوا به في ليلتهم تلك، وذعنوا إليه في تعريفهم أمره.
وقال - من أدرك الحلواني منهم -: والله لقد وصفك لنا شيخنا بصفتك ما غادر غير أنه ذكر أن في فيك إصبع.
فتبسم أبو عبد الله ولم يزالوا حتى أظهر لهم أمره، وأخذ عليهم في ليلتهم تلك، ولما أخذ عليهم بالكتمان وضع إصبعه في فيه كما يفعل من يأمر بالصمت، وقال لهم: هذا الإصبع الذي ذكر الحلواني في في.