ولم يبعث الله نبيا قط إلا: بالبر، والعدل، والمكارم، ومحاسن الأخلاق، ومحاسن الأعمال، والنهي عن الفواحش ما ظهر وما بطن، فالباطن منه ولاية أهل الباطن، والظاهر منه فروعهم، ولم يبعث. الله نبيا قط يدعو إلى معرفة ليس معها طاعة في أمر ونهي.
فإنما يقبل الله من العباد العمل بالفرائض التي أفرضها الله على حدودها، مع معرفة من جاءهم من عنده ودعاهم إليه، فأول من ذلك معرفة من دعا إليه ثم طاعته فيما يقربه بمن لا طاعة له، وأنه من عرف أطاع، وحرم الحرام ظاهره وباطنه، ولا يكون تحريم الباطن واستحلال الظاهر، إنما حرم الظاهر بالباطن والباطن بالظاهر معا جميعا، ولا يكون الأصل والفرع، وباطن الحرام حراما وظاهره حلالا، ولا يحرم الباطن ويستحل الظاهر، وكذلك لا تستقيم أن يعرف صلاة الباطن ولا يعرف صلاة الظاهر، ولا الزكاة ولا الصوم ولا الحج ولا العمرة والمسجد الحرام وجميع حرمات الله وشعائره.
وإن ترك لمعرفة الباطن، لأن باطنه ظهره، ولا يستقيم أن ترك واحدة منهما إذا كان الباطن حراما خبيثا، فالظاهر منه إنما يشبه الباطن، والباطن بالظاهر، فمن زعم أن تلك (إنما) (1) هي المعرفة، وأنه إذا عرف اكتفى بغير طاعة فقد كذب وأشرك ذاك، لم يعرف ولم يطع، وإنما قيل: اعرف واعمل ما شئت من الخير، فإنه لا يقبل ذلك منك بغير معرفة، فإذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطاعة قل أو كثر، فإنه مقبول منك.
أخبرك أن من عرف أطاع، إذا عرف وصلى وصام واعتمر وعظم حرمات الله كلها، ولم يدع منها شيئا، وعمل بالبر كله ومكارم الأخلاق كلها ويجتنب سيئها، وكل ذلك هو النبي صلى الله عليه وآله) أصله، وهو أصل هذا