بصيرة يعرف بها دين الله، ويوصل بها إلى معرفة الله، فهذه المعرفة الباطنة.
الثابتة بعينها الموجبة حقها المستوجبة أهلها عليها الشكر لله الذي من عليهم بها، من من الله يمن به على من يشاء، مع معرفة الظاهرة، ومعرفة في الظاهرة.
فأهل المعرفة في الظاهر الذين علموا أمرنا بالحق على غير علم لا يلحق بأهل المعرفة في الباطن على بصيرتهم، ولا يصلوا بتلك المعرفة المقصرة إلى حق معرفة الله كما قال في كتابه " ولا يملك الذين يدعون من لونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون " (1) فمن شهد شهادة الحق لا يعقد عليه قلبه على بصيرة فيه، كذلك من تكلم لا يعقد عليه قلبه، لا يعاقب عليه عقوبة من عقد عليه قلبه وثبت على بصيرة، فقد عرفت كيف كان حال رجال أهل المعرفة في الظاهر، والإقرار بالحق على غير علم في قديم الدهر وحديثه، إلى أن انتهى الأمر إلى نبي الله، وبعده إلى من صار، وإلى من انتهت إليه معرفتهم، وإنما عرفوا بمعرفة أعمالهم ودينهم الذي دانوا الله به، المحسن بإحسانه والمسئ بإساءته، وقد يقال أنه من دخل في هذا الأمر بغير يقين ولا بصيرة خرج منه كما دخل فيه، رزقنا الله وإياك معرفة ثابتة على بصيرة.
وخبرك أني لو قلت: أن الصلاة، والزكاة، وصوم شهر رمضان، والحج، والعمرة، والمسجد الحرام، والبيت الحرام، والمشعر الحرام، والطهور، والاغتسال من الجنابة، وكل فريضة كان ذلك هو النبي الذي جاء به عند ربه، لصدقت، ان ذلك كله إنما يعرف بالنبي، ولولا معرفة ذلك النبي والإيمان به والتسليم له ما عرف ذلك، فذلك من من الله على من يمن عليه، ولولا ذلك لم يعرف شيئا (من هذا) (2).