والبيان الناطق ولا تأمنوا مكر الله وتحذيره وتهديده عند ما يدعوكم الشيطان اللعين إليه من عاجل الشهوات واللذات في هذه الدنيا فإن الله عز وجل يقول: (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) وأشعروا قلوبكم خوف الله وتذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه كما قد خوفكم من شديد العقاب فإنه من خاف شيئا حذره ومن حذر شيئا تركه ولا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدنيا الذين مكروا السيئات فان الله يقول في محكم كتابه: (أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف) فاحذروا ما حذركم الله بما فعل بالظلمة في كتابه ولا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب.
والله لقد وعظكم الله تعالى في كتابه بغيركم فإن السعيد من وعظ بغيره ولقد أسمعكم الله في كتابه ما قد فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم حيث قال: (وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة) وإنما عنى بالقرية أهلها حيث يقول: (وأنشأنا بعدها قوما آخرين) فقال عزوجل: (فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون * (يعني يهربون قال:) لا تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون * (فلما أتاهم العذاب) قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين * فما زالت تلك دعويهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين) وأيم الله إن هذه عظة لكم وتخويف إن اتعظتم وخفتم، ثم رجع القول من الله في الكتاب على أهل المعاصي والذنوب فقال عزوجل: (ولئن مستهم نفحة من عذاب ربك ليقولن يا ويلنا إنا كنا ظالمين) فإن قلتم أيها الناس: إن الله عزوجل إنما عنى بهذا أهل الشرك فكيف ذلك وهو يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).
اعلموا عباد الله أن أهل الشرك لا ينصب لهم الموازين ولا ينشر لهم الدواوين وإنما يحشرون إلى جهنم زمرا وإنما نصب الموازين ونشر الدواوين لأهل الإسلام.
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الله عزوجل لم يحب زهرة الدنيا وعاجلها لأحد من أوليائه ولم يرغبهم فيها وفي عاجل زهرتها وظاهر بهجتها وإنما خلق الدنيا وخلق أهلها ليبلوهم فيها أيهم أحسن عملا لآخرته وأيم الله لقد ضرب لكم فيه الأمثال وصرف الآيات لقوم يعقلون ولا قوة إلا بالله.
فازهدوا فيما زهدكم الله عزوجل فيه من عاجل الحياة الدنيا فإن الله عزوجل يقول - وقوله الحق - (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس