كان من الحمية الجاهلية بل فضلهم هو الإيمان والحكمة وهو غير موجود فيهم بل هو في رجال أهل اليمن قيل: المراد بهم الأنصار الذين استجابوا لله ولرسوله طوعا ونصروه وهم يماني النسب وقيل: المراد بهم أهل مكة أي بعضهم إما لأن مكة من تهامة وتهامة من أرض اليمن أو لأنه قال: هذا وهو بتبوك ومكة بينه وبين اليمن فأشار إلى ناحية اليمن وأراد مكة ويؤيده قوله «ولولا الهجرة لكنت امرأ من أهل اليمن» فإنه صريح في أن المراد باليمن مكة بأحد الوجهين المذكورين وقوله «الإيمان يماني» أي منسوب إلى اليمن معناه على القول الأول أن قوة الإيمان واشتهاره من أهل اليمن لكونهم من أنصار الدين وعلى القول الثاني أن مبدأه مكة والمشهور في يماني تخفيف الياء لأن ألفه زيدت بدلا من ياء النسبة فلا يجمع بينهما وحكى المبرد وسيبويه عن بعض العرب التشديد فيها وهذه الوجوه تجري في قوله «والحكمة يمانية» والحكمة لغة ما يمنع من الجهل والحكيم من منعه عقله عنه وفي العرف الفقه في الدين وهو العلم النافع المصحوب بإنارة البصيرة وتهذيب النفس وبه فسر قوله تعالى: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) (الجفا والقسوة في الفدادين أصحاب الوبر ربيعة ومضر من حيث يطلع قرن الشمس) الجفاء بالمد خلاف البر وهي كيفية للنفس تمنع من إيصال النفع إليها أو إلى غيرها وهي تتفاوت في الأشخاص والقسوة والقساوة غلظة القلب وشدته وأعظم أسبابه الذنوب وهي كيفية تمنع القلب من قبول للخير والموعظة، والفدادين ضبطه بعضهم بتخفيف الدال جمع فدان بتشديدها وفسره ببقر الحرث ورده أبو عبيد بأن العرب لم تكن تعرف الحرث وإنما هو في الروم والشام وهي إنما فتحت بعد وفاته صلى الله عليه وآله وفيه نظر، ثم قال: وإنما هي بالتشديد جمع فداد بالتشديد أيضا فسره بالمكثر من كسب الإبل والكسب من المائتين إلى الألف من الفديد وهي الإبل الكثيرة وفسره الأصمعي بأنه الذي يرفع صوته في حرثه وماشيته من فد الرجل فديدا إذا اشتد صوته، وقال ابن دريد: هو رجل شديد وطؤه للأرض بمرح أو سرعة، وقال بعضهم: هو المكثر من غير تقييده بكسب الإبل لأن الإكثار موجب للفخر والخيلاء واحتقار الناس وهي مستتبعة للجفاء والقساوة، وقال ثعلب: الفدادون الجمالون والبقارون والحمالون والرعيان.
أقول: أقرب المعاني ههنا ما ذكره أبو عبيد لأن قوله صلى الله عليه وآله «أصحاب الوبر» بدل من الفدادين والوبر بكسر الباء الإبل وبفتحها ما للإبل كالصوف للغنم والشعر للمعز، قال في الصحاح الوبر للبعير بالتحريك الواحدة وبرة وقد وبر البعير بالكسر وهو وبر قوله «ربيعة ومضر» أما بدل من الفدادين أو من أصحاب الوبر وهما إخوان ابنا نزار بن معد بن عدنان معروفان في كثرة العدد وغلبة العدد وفي الكفر وعداوة الرسول وكانا ساكنين في النجد وهي شرقي المدينة وتبوك كما أشار