بالأحبار والرهبان (الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه) أي بكتمان ما في التوراة والإنجيل من الحلال والحرام ونعت النبي (صلى الله عليه وآله) وتحريف ذلك لإخفاء الحق وإظهار الباطل (فما ربحت تجارتهم) التجارة استعارة لأعمالهم والربح ترشيح لها أي بطل بسبب الكتمان والتحريف المقتضيين لكفرهم جميع أعمالهم الدينية فلا فائدة لها في الآخرة وذلك هو الخسران المبين (وما كانوا مهتدين) إلى سبيل التجارة لأن المقصود منها طلب الربح بحفظ رأس المال وهو هنا الإيمان وهم قد أضاعوه (ثم اعرف أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده) وانحرفوا عن منهج الإيمان فصاروا مثل هؤلاء حذو النعل بالنعل فما كانت تجارتهم رابحة كتجارتهم فإن سنة الله تعالى لا تختلف بل تجري في اللاحقين كما جرت في السابقين ولن تجد لسنة الله تحويلا (فهم مع السادة والكبرة) يدورون معهم حيث داروا وينقادون لهم في كل ما أرادوا طمعا فيما عندهم من متاع الدنيا ويتبرؤون منهم يوم القيامة كما قال عز وجل حكاية: (قالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبرائنا فاضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا).
وفي بعض النسخ «والكثرة» بالثاء المثلثة (فإذا تفرقت) وتعددت (قادة الأهواء) هم المشغوفون بالأهواء والآراء القائدون لمن تبعهم إليها (كانوا مع أكثرهم دنيا) لأن مطلوبهم عنده أكثر وحصوله منهم أعظم وأوفر كما هو المعروف من شأن إخوان الشيطان وأطوار أبناء الزمان وفيه ذم للمفتي بالرأي ومن تبعه من هذه الأمة (وذلك مبلغهم من العلم) أي غايتهم وحاصلهم منه.
(لا يزالون كذلك في طمع) في الدنيا ومتاعها وما في أيدي الناس (وطبع) هو بالسكون الختم في الطين ونحوه وليس هنا ختم في الحقيقة وإنما المقصود بيان أنه حدثت في قلوبهم هيئة تمنعها من دخول الحق فيها وقبولها إياه كالختم المانع من دخول الشيء في المختوم وبالتحريك الوسخ الشديد من الصدأ والدنس والشين والعيب ودناءة الخلق وقلة الحياء ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الآثام والأوزار وغيرها من القبايح، وفي النهاية: «أعوذ بالله من طمع يهدي إلى طبع» أي إلى شين وعيب (فلا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير) جعل صوتهم صوت إبليس كأنه نشأ من نفثه في صدورهم وإلهامه في قلوبهم حتى صار صوتهم بغير الحق وإفتاؤهم بالباطل صوته لكماله في السببية وفي «على» دون «من» تنبيه على استيلائه عليهم وكونهم مقهورين لحكمه ثم أشار إلى ذمهم بوجه آخر غير خروجهم من الدين وتخريبه بآرائهم الفاسدة وهو إيذاؤهم أهل العلم وتشديدهم عليهم بقوله (يصير منهم العلماء على الأذى والتعنيف) أي على أذيهم وإضرارهم وتعنيفهم وتشديدهم والعنف ضد الرفق عنف ككرم عليه وبه إذا لم يرفق به وأعنفه وعنفه تعنيفا إذا بالغ في الغلظة والشدة عليه وفي بعض النسخ «التعسف» وهو الظلم يقال:
عسف السلطان إذا ظلم أو الميل عن منهج الصواب (ويعيبون على العلماء بالتكليف) أي