رسالة كتاب ونامه، وسعد الصاحب لأبي جعفر (عليه السلام)، كثير ولم أعرف أحدا منهم بهذا اللقب والمصنف نقلها بطريقين أحدها عن محمد بن يحيى إلى حمزة بن بزيع، والثاني عن الحسين بن محمد الأشعري وعلى هذا كان الأنسب أن يقول: قالا: كتب أبو جعفر (عليه السلام) بتثنية الضمير وإفراده بعيد وإن كان صحيحا (بسم الله الرحمن الرحيم) على استحباب تصدير الرسالة والمكاتيب بالتسمية كما أمر.
(أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله) تقواه تعود إلى خشيته المستلزمة للامتثال بأمره ونهيه والاتصاف بالكمالات النفسانية ثم رغب فيها بذكر فوائدها فقال (فإن فيها السلامة من التلف) أي الهلاك بالآفات والشهوات والخصومات والآمال والخزي والنكال ولفظة «في» للنظر فيه أو للسببية (والغنيمة في المنقلب) أي الآخرة وهي النجاة من عقوباتها والوصول إلى مقام السعادة والنزول في دار الكرامة التي أعدت للمتقين كما نطق به القرآن المبين، وإلى مضمون هاتين الفقرتين أشار أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: «واستعينوا بها - أي بالتقوى - على الله فإن التقوى في اليوم حرز وجنة وفي غد الطريق إلى الجنة». ثم علل مضمون كل واحدة منهما وآكده بقوله: «إن الله عز وجل يقي بالتقوى عن العبد ما عزب عنه عقله» أي ما بعد عن إدراكه عقله من خزي الآخرة وعقوباتها وآفات الدنيا ومهلكاتها كما يظهر مما بعد ومن الفكير في أحوال الصالحين والظالمين وما ورد عليهم مما دلت عليه الآيات والروايات (ويجلي بالتقوى عنه عماه وجهله) في القاموس: جلى فلانا الأمر كشفه عنه كجلاه وجلى عنه أي يكشف بسبب التقوى عن العبد حجاب الجهل ولوازمه فيدرك المعارف والأسرار والحقايق وما فيه صلاح الدنيا والآخرة ويحترز من الأقوال الكاذبة والأعمال الفاضحة والعقائد الباطلة والأخلاق الفاسدة وهكذا يسير بعلم ويقين إلى أن يبلغ مقام الأنس ومنزل القرب والتقوى وإن كان حصولها موقوفا على علم وعمل لكنه بعد العلوم وإعمال غير محصورة كما لا يخفى على العارفين.
(وبالتقوى نجى نوح ومن معه في السفينة) من الغرق ونجى (صالح ومن معه من الصاعقة) في القاموس: الصاعقة الموت وكل عذاب مهلك وصيحة العذاب والمخراق الذي بيد الملك سائق الحساب ولا يأتي على شيء إلا أحرقه أو نار يسقط من السماء. وفيه دلالة على أن التقوى وإن لم يكن في نهاية الكمال حرز من التلف والهلاك ضرورة أن تقوى قوم نوح وقوم صالح لم يكن في مرتبة تقواهما بل على أن التقوى هي تصديق الرسول ومتابعته في جميع ما جاء به فالشيعة مشتركون في أصل التقوى وإن اختلفوا في درجاتها (وبالتقوى فاز الصابرون) الفوز النجاح والظفر فازمنه نجا وفاز به ظفر أي نجى الصابرون على تحمل البليات والطاعات وترك المنهيات والمشتهيات من المهلكات الدنيوية والعقوبات الاخروية أو ظفروا بالخيرات الحاضرة والمثوبات