الوافرة في الدنيا والآخرة (ونجت تلك العصب من المهالك) العصب محركة خيار القوم وأشرافهم والمراد بهم نوح وصالح ومن معهما والصابرون على الشدائد من الأمم السابقة (ولهم) أي لنوح وصالح ومن تبعهما من الصابرين والصالحين (إخوان على تلك الطريقة) المستقيمة وهي التقوى والامتثال بالأوامر والنواهي وتطهير الظاهر والباطن (يلتمسون تلك الفضيلة) أي النجاة من التلف والغنيمة في المنقلب والطريقة المذكورة فيكون تأكيدا أو طلبا لبقائها واستمرارها أو زيادتها ولعل المراد بالإخوان أرباب الإيقان من أصحاب الرسول وأمير المؤمنين وأولاده الطاهرين عليهم السلام ومن تبعهم إلى يوم الدين (نبذوا طغيانهم من الإيراد بالشهوات) زايدة عن قدر الضرورة وفي بعض النسخ «الالتذاذ» بدل الإيراد (لما بلغهم في الكتاب من المثلات) هي بضم الثاء العقوبات الواقعة على أرباب العصيان والجنايات وأصحاب الطغيان في الشهوات كما دل عليه كثير من الآيات وحفظوا أنفسهم من تلك الخطرات (حمدوا ربهم على ما رزقهم) من التقوى والتوفيق للخيرات والعصمة من اللذات المهلكات (وهو أهل الحمد) بالذات وبما أعطاهم من القدرة على الطاعات والتوفيق لها وغير ذلك من الألطاف والنعم التي لا تحصى.
(وذموا أنفسهم على ما فرطوا وهم أهل الذم) لأنهم وإن بالغوا في طاعة ربهم كانوا بعد مقصرين ولم يأتوا بما هو حقه ولذلك لم يكن أحد من الأولياء إلا وهو معترف بالتقصير وينبغي أن يعلم أن بناء الرشاد والتقوى على ثلاثة أمور: الأول قبول الهادي وهدايته وهو النبي والوصي عليهما السلام، الثاني قبول ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله) من الأوامر والنواهي وغيرهما، الثالث قبول ما أراد بالأمر والنهي من العمل بالطاعات وترك المنهيات فأشار عليه السلام إلى الثالث بقوله: (واعلموا أن الله تبارك وتعالى الحليم العليم) في ذكر هذين الوصفين ترغيب في قبول ما يلقى إليهم أما العلم فظاهر وأما الحلم فلأن أخذ الحليم شديد كما اشتهر «اتقوا من غضب الحليم» (إنما غضبه على من لم يقبل منه رضاه) أي ما يوجب رضاه من الطاعات وترك المنهيات، وأشار إلى الثاني بقوله (وإنما يمنع) أي الرحمة (من لم يقبل منه عطاء) وهو ما جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله) من دينه الحق لأنه عطية منه تعالى إلى عباده ومتضمن لمصالحهم وأشار إلى الطريق وأعرض عن هدايته ضل عنه ثم رغب في التوبة بقوله (ثم أمكن أهل السيئات من التوبة) بتبديل الحسنات في كنز اللغة:
الإمكان دست دادن أي أمكن أهل السيئات مطلقا من التوبة والندامة منها بتبديل سيئاتهم حسنات لأن أصل التوبة الخالصة والعفو عن السيئة بعدها والثواب بها ومحبة الله تعالى لأهلها وستره عليه حتى لا يعلم أحد سيئاته كيلا يخجل حسنات مبدلة من السيئات روى المصنف بإسناده عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: «إذا تاب العبد توبة نصوحا أحبه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة. فقلت: وكيف يستر عليه؟ قال: ينسي ملكيه ما كتبا