شأنهم في تفسير كثير من الآيات الكريمة مثل آية الطاعة وآية الولاية ونحوهما (فلا ينكرون) الظاهر أنه معلوم من الإنكار أو النكر والنكور والنكير وفعله من باب علم وفي القاموس: نكر الأمر فلان كفرح نكرا ونكرا ونكورا ونكيرا وأنكره واستنكره وتناكره جهله والمنكر ضد المعروف وفي كنز اللغة: إنكار ونكر ونكورا نا شناختن ونكير نا خوش داشتن أي لا يستقبحون ذلك بل يعدونه حسنا أو لا يعلمون أنه جهل بل يعتقدون أنه علم، وإنما قلنا: الظاهر ذلك لاحتمال أن يكون مجهولا من الإنكار (أولئك أشباه الأحبار والرهبان) الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريف حدوده.
(قادة في الهوى سادة في الردى) لأنهم أرباب الأهواء النفسانية وأصحاب الآراء الشيطانية قائدون لهم إلى المهلكات الدنيوية والاخروية، ولما أشار إلى صنفين منهم الأئمة المضلة والمأمومين لهم أراد أن يشير إلى صنف ثالث منهم وهم المستضعفون فقال (وآخرون منهم جلوس بين الضلالة والهدى) أن بين طريق الباطل وطريق الحق ولا يميزون بين أهل الهداية والضلالة ولا بين صلاح أحدهما وفساد الآخر (لا يعرفون إحدى الطائفتين من الأخرى) فلا يكونون من هؤلاء ولا من هؤلاء بل واقفون مترددون يقولون (ما كان الناس) في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) (يعرفون هذا) أي هذا الاختلاف بين الأمة في أمرا لدين حيث لم يكن فيهم (ولا يدرون ما هو) الظاهر أنه عطف على ما يقولون أي ولا يدري الآخرون الجالسون ما هذا الاختلاف ولا أي شيء سببه والعطف على يعرفون (وصدقوا) في هذا القول وهو أنه لم يكن اختلاف بين الأمة في عهده (صلى الله عليه وآله) واعلم أن هذا الصنف هو الثالث فيما روي من أن عليا عليه السلام باب الله من دخل فيه فهو مؤمن ومن خرج منه فهو كافر ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه فهو مستضعف في مشيئة الله تعالى. ثم أشار عليه السلام من باب الاستيناف إلى سبب صدقهم وسبب الاختلاف بعده (صلى الله عليه وآله) بقوله (تركهم) أي الأمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حين قبض (على البيضاء ليلها من نهارها) أي على الملة البيضاء ليلها متميزة من نهارها وهذا يحتمل وجهين الأول أن يراد بالنهار ظاهر الملة وبالليل باطنها لخفائه بالنسبة إلى الظاهر بحيث لا يهتدي إليه كل أحد، الثاني أن يراد بالنهار الحق وبالليل الباطل والبدعة بتشبيه الحق بالنهار والبدعة بالليل في الظلمة وإضافتها إلى الملة باعتبار أن الملة كاشفة مبينة لها والله أعلم (لم تظهر فيهم بدعة) هي ما لم يكن في عهده (صلى الله عليه وآله) وكان مخالفا لما جاء به (ولم تبدل فيهم سنة) هي ما جاء به (صلى الله عليه وآله) ويمكن أن يراد بالبدعة ولاية الجور وبالسنة ولاية الحق، الأولى لم تكن حينئذ والثانية لم تبدل (لا خلاف عندهم) حينئذ في السنة (ولا اختلاف) في الولاية والإمامة بل كانوا كلهم على سنة واحدة وولاية واحدة هي ولاية علي (عليه السلام) طوعا أو كرها أو غير مظهرين لخلافه.