بتكليف العلماء إياهم بالأحكام الشرعية والاتباع للحق ورفض الباطل ثم أشار إلى أن للعلماء امتحانا آخر هو سبب لامتحان المذكور أعني تحمل الأذى والتعنيف من الجهال وهو وجوب أداء الأمانة بالوعظ والأمر والنهي بقوله (والعلماء في أنفسهم خانة) جمع خائن أصلها خونة قلبت الواو ألفا (إن كتموا النصيحة) في أمر الدين والدنيا وهي الرشاد إلى ما هو خير وصلاح فيهما.
(إن رأوا تائها ضالا لا يهدونه) هداية التائه المتحير في أمره والهالك الواقع في بلية ومصيبة والضال الخارج عن طريق الحق أو الواقف بين الحق والباطل واجبة على العالم مع الإمكان وهي من الأمانات التي تركها خيانة (أو ميتا لا يحيونه) المراد بالميت من لم يستكمل نفسه بالكمالات العقلية من العلوم والأخلاق والآداب الشرعية ولم يعمل بها ولم يزهد في الدنيا وزهراتها المضلة الفانية (فبئس ما يصنعون) الذم للعلماء بالخيانة وترك النصيحة أو للجهال أيضا بإيذائهم وعدم إجابتهم لأن الله تعالى كما أخذ على العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك أخذ على الجهال القبول والإجابة وأخذ على الجميع المعاونة على البر والتقوى وعدم المعاونة على الإثم والعدوان.
(فالعلماء من الجهال في جهد وجهاد) أي في جهد ومشقة من أذاهم وتعنيفهم وعيبهم وعدم إجابتهم وفي جهاد معهم ظاهرا وباطنا من الأقوال الناصحة لهم والكلمات الوافية والأفكار الصحيحة في تطويعهم إلى الحق وصرف قلوبهم من الباطل، ثم أشار إلى الجهد والجهاد بقوله (إن وعظت قالوا: طبعت) أي دنست وخبثت ووسخت لزعمهم أن هذا الوعظ باطل دنس، وفي بعض النسخ «طغت» من الطغيان وهو الخروج عن الحق وضمير التأنيث للعلماء باعتبار الجماعة (وإن علموا الحق الذي تركوا قالوا خالفت) الحق لزعمهم أن باطلهم حق (وإن اعتزلوهم قالوا فارقت) أهل السنة والجماعة (وإن قالوا هاتوا برهانكم على ما تحدثون) من الأقاويل حتى نتبعكم إن كنتم صادقين (قالوا: نافقت) أي ماتت وهلكت لزعمهم أن مطلوبهم من ضروريات الدين حتى أن طالب البرهان عليه هالك أو فعلت فعل المنافق لإظهار الإسلام وإبطان الكفر بإنكار مطلوبهم فهو على الأول من النفوق وهو الموت وعلى الثاني من النفاق وهو فعل المنافق (وإن أطاعوهم قالوا) على سبيل الإلزام (عصيت الله عز وجل) فقد أشار (عليه السلام) إلى أن أحوال الجهال منقلبة متفرقة لا يقدر العالم على حسن السلوك معهم بوجه ذلك (فهلك جهال) التنكير للتحقير (فيما لا يعلمون) من فساد عقائدهم وأعمالهم وأقوالهم وأطوارهم فهم جهال بجهلهم وهو الجهل المركب المهلك (أميون) منسوبون إلى الأم (فيما يتلون) من الكتاب ولا يفهمون معناه كالمتولد من الأم الذي هو في مرتبة العقل الهيولاني (يصدقون بالكتاب عند التعريف ويكذبون به عند التحريف) أي تحريف معانيه وصرفها إلى غير المقصود منه كما هو