قيام الصاحب عليه السلام (فاعرف هذا الصنف) من أهل الضلالة بأشخاصهم وعقايدهم وأعمالهم وأطوارهم وأقوالهم الخارجة عن القوانين الشرعية (وصنف آخر فابصرهم رأى العين نجباء) المراد بهم أهل الهدى (والزمهم) ولا تفارقهم (حتى ترد أهلك) أهل الجنة والسعادة وقد أمر عليه السلام بمعرفة الصنفين حق المعرفة ومعرفة أحوالهما ومتابعة صنف الحق إلى الموت فإنه يوجب الحياة الأبدية والورود على أهل الجنة ويمكن أن يكون «ترد» بتشديد الدال أي حتى ترد أهلك عن صنف أهل الضلالة إلى أهل الحق وهذا أنسب بقوله (فإن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة) باختيار الضلالة أو ترك النصيحة والدعاء إلى الخير والأعمال الصالحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ألا ذلك هو الخسران المبين) لأن خسران الآخرة لبقائه أبدا هو الخسران المبين وأما خسران الدنيا لانقضائه فليس بخسران بالنظر إليه.
(إلى ههنا رواية الحسين) ورواية محمد بن يحيى أيضا بقرينة قوله (وفي رواية محمد بن يحيى زيادة) فإن لفظ زيادة يشعر بذلك (لهم علم بالطريف) أي لصنف آخروهم أهل الحق علم كامل بطريقه يعرفونه ويعرفون به (فإن كان دونهم بلاء فلا تنظر إليه) ولا تلومهم ولا تفارقهم فإن البلاء موكل بالأولياء (فإن كان دونهم عسف من أهل العسف) أي ظلم وجور من الظالمين والجابرين وأهل العسف الأخذ على غير طريق وركوب الأمر من غير روية ثم نقل إلى الظلم والجور (وخسف) أي نقصان وهوان وتغير وانكسار (ودونهم بلايا تنقضي) وقتا ما لأن كل ذلك في معرض الزوال (ثم تصير إلى رخاء) وسعة ورفاهية في الآخرة بل في الدنيا أيضا خصوصا في عهد الصاحب عليه السلام وفي كل ذلك ترغيب في مودتهم وتآلفهم ومتابعتهم (ثم اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض) المراد بهم المتحابون المتدينون والتابعون له (عليه السلام) في الأقوال والأعمال وهم ذخائر بعضهم لبعض يتناصرون ويتعاونون ويتباذلون والقائمون بأوامره تعالى وأسراره وعلمه والذابون عنه دينه والنافعون كل واحد صاحبه في الشدة والرخاء.
(ولولا أن يذهب بك الظنون عني) إلى اعتقاد الرسالة أو الألوهية كما يرشد إليه الحديث النبوي في مدح وصيه علي عليه السلام وهو يأتي بعيد هذا (لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها ولنشرت لك أشياء من الحق كتمتها) لعل المراد بها العلوم الدينية والأسرار الغيبية التي لا يعلمها إلا الله تعالى ومن ارتضاه من رسول وأوصيائه عليهم السلام وهم لا يظهرونها إلا لمن يوثق به من خواص الأولياء وقد ظهر أدنى مراتبها لبعض القاصرين فادعوا لهم الربوبية (ولكني أتقيك) خوفا مني ومنك (واستبقيك) على الحق كيلا تزل منه (وليس الحليم الذي لا يتقي أحدا في مكان التقوى) الموصول خبر «ليس» فدل على أن من لم يتق في مكان التقية ليس بحليم متأن في الأمور متثبت فيها (والحلم لباس العالم فلا تعرين منه والسلام) أمره بالحلم وهو التأني والتثبت في