ما ابتدعوه خلفاء بني أمية وبني عباس وعلمائهم الأربعة ومن تبعهم إلى قيام القائم (عليه السلام) (فالأمة) التابعون (يصدرون عن أمر الناس) مع كدورة مشربهم بعد أمر الله تبارك وتعالى بولاية وليه أمير المؤمنين (عليه السلام) (وعليه يردون أمره) ويأخذون أمر الناس والظاهر أن الواو للحال عن فاعل يصدرون ثم أشار إلى الذم العام للجميع بقوله (بئس للظالمين) التي اختاروها لأنفسهم بنصب الجاهل (بعد ولاية الله) التي اختارها لهم وهي ولاية أمير المؤمنين وأولاده الطاهرين الذين هم أساس الدين وعماد اليقين ولهم خصايص الولاية كلها (وثواب الناس) أي أجرهم وأخذ ما في أيديهم من متاع الدنيا (بعد ثواب الله) الباقي الدائم من غير نقص ولا انقطاع (ورضا الناس بعد رضا الله) الذي لا يحصل إلا بقبول أمره ونهيه وطاعته (فأصبحت الأمة لذلك) المراد بالأمة الأمة الضالة المضلة والتابعون لهم وأصبح بمعنى صاروا (لذلك) أو «كذلك» كما في بعض النسخ خبره وذلك إشارة إلى نبذهم الكتاب وتحريفهم حدوده وغيرهما من صفاتهم الذميمة المذكورة (وفيهم المجتهدون) في العبادة مثل الصلاة والحج والصوم والجهاد ونحوها وإنما سماها عبادة للصورة الظاهرة أو لكونها عبادة عندهم وإلا فبينها وبين العبادة المطلوبة له تعالى بون بعيد وفيه تنبيه على أن عبادتهم واجتهادهم فيها لا ينفعهم كعبادة اليهود والنصارى غيرهما من أصحاب الملل الباطلة (على تلك الضلالة) المبنية على الجهالة ولما كان هنا مظنة أن يقال: ما سبب اجتهادهم في العمل مع فساد عقيدتهم؟ أجاب عنه بقوله (معجبون) بعملهم بتزيين الشيطان له ليزداد حسرتهم يوم القيامة حين يرونه هباء منثورا (مفتونون) لافتتان الشيطان لهم وإضلال بعضهم بعضا بالحث عليه والميل إليه (فعبادتهم فتنة لهم) أي محنة وبلية ابتلوا بها مع مشقة شديدة أو سبب لزيادة ميلهم عن الحق إلى الباطل من فتن المال الناس من باب ضرب فتونا استمالهم إلى مفاسده ولمن اقتدى بهم كما هو شأن خلفهم من متابعة سلفهم تقليدا لأعمالهم الفاسدة وعقائدهم الباطلة من غير نظر إلى أن أمثالهم الماضين وشيوخهم العاصين كانوا في ضلال مبين فصارت عبادة المتبوع فتنة وبلية للتابع أيضا (وقد كان في الرسل.. الخ) فيه حث بليغ لأرباب الذنوب على الاستغفار والتوبة والاعتراف بالتقصير وتحذير شديد لأصحاب المعاصي في العقائد والأعمال من غير بنائهما على علم ويقين فإن من تصور ما جرى على آدم ويونس عليهما السلام بالزلة الواحدة والمعصية الصغيرة التي هي خلاف الأولى بالنسبة إلى الأنبياء عليهم السلام يكون على وجل شديد من المعاصي العظيمة خصوصا إذا تعاقبت وتكاثرت ويحكم بأنها سبب تام للمنع من دخول الجنة فكيف يطمع دخولها مع بقائه على تلك المعاصي وعدم تداركه بالتوبة والاستغفار والاعتراف.
(فاعرف أشباه الأحبار والرهبان) نفى عنهم الحبر والترهب أعني العلم والتعبد والتزهد لعدم اتصافهم بهما وإنما الموجود فيهم هو صورتهم المحسوسة وزيهم وهيئتهم المقتضية لتشبيههم