من العلوم المندرجة فيه التي بها يتم نظام الخلق في الدنيا والآخرة وأعظمها العلم بالولاية (وولاهم عدوهم حين تولوه) أي جعل واليهم عدوهم الديني الذي يتبرؤون منه في الآخرة ويلعنونه لإضلاله إياهم حين تولوا ذلك العدو وأحبوه أو حين تولوا الكتاب وأدبروا عنه وأعرضوا عن علمه فإن التولي يجيء لكلا المعنيين. والمراد بجعله واليا لهم التخلية بينهم وبين أنفسهم الأمارة حتى يجعلوه واليا (وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه) وكلماته وإعرابه وصححوها وحفظوها عن التصحيف والتحريف (وحرفوا حدوده) وأحكامه وجعلوا حلاله حراما وحرامه حلالا وولاية الحق مردودة وولاية الباطل مقبولة (فهم يروونه) بضبط حروفه ومبانيه.
(ولا يرعونه) بحفظ حدوده ومعانيه مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفارا بل هو أقبح حالا من الحمار لأن الحمار لا يحرف ما حمله وهم يحرفون (والجهال يعجبهم حفظهم للرواية) لظنهم أنه العلم (ولا يحزنهم تركهم للرعاية) لأنهم غافلون وسيورثهم حسرة يوم القيامة وهم نادمون والمراد بالجهال هم النابذون وإنما وضع الظاهر موضع الضمير للتصريح بأنهم الجاهلون (والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية) على ما ينبغي فكم من فرق بين الجاهل والعالم؟! حيث أن الجاهل مع كمال جهله ونقصه في العلم والعمل يعجبه ما ليس يعلم ولا عمل في الحقيقة والعالم مع كمال علمه وعمله وروايته ودرايته ورعايته محزون خوفا من التقصير فيها (وكان من نبذهم الكتاب أن ولوا الذين لا يعلمون) معالم الدين أو ليس لهم حقيقة العلم وأعرضوا عن الذين يعلمون ورفضوا قوله تعالى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وغيره من الآيات الدالة على وجوب متابعة أهل العلم وفي بعض النسخ «ولوه» بالضمير وهو عايد إلى الكتاب أو الدين أو أمر الخلافة (فأوردوهم الهوى) النفساني وهو الباطل من العقايد والأعمال وأصله ميل النفس إلى مقتضاها من المشتهيات الموجبة للخروج عن الحدود الشرعية (وأصدروهم إلى الردى) وهو الهلاك في الآخرة والاصدار الارجاع من الصدر وهو الرجوع (وغيروا عرى الدين) التي هي أركانه وأحكامه وقوانينه المشبهة بالعروة في أن المتمسك بها متمسك بالدين وحامل له، ثم أشار إلى أنهم لم يختصوا الإيراد إلى الهوى والإصدار إلى الردى وتغيير العرى مختصا بأنفسهم بل جعلوه من القوانين، وأدرجوا في الدين وورثوه من بعدهم من المفسدين بقوله (ثم ورثوه في السفه والصبا) في للتأكيد كما في قوله تعالى: (اركبوا فيها بسم الله مجريها) أو متعلق بالتوريث بتضمين معنى الجعل أو الوضع.
والسفه محركة الجهل والخشونة والطيش وخفة العمل وضد الحلم والصبا بالكسر من الصبوة وهي الميل إلى الجهل وفتوة الجهلة وفعله من باب نصر وبالفتح اللعب مع الصبيان وفعله من باب علم وهذا الذي ذكره عليه السلام ظاهر لمن نظر في أحوالهم وأحوال خلفائهم فإنهم أورثوا جميع