للكتب الإلهية ظهور معلومة وبطون مكنونة وأسرار مصونة ولوازم مستورة وأحكام معينة تعلم بتعليم رباني وتأويل إلهي وبتمام تنزيله تنزيل كل ما يحتاج إليه الأمة من أمر الدنيا والدين.
(يا موسى انظر إلى الأرض فإنها عن قريب قبرك) أمر بذكر الموت والرجوع إلى القبر وحيدا غريبا فإن ذلك يبعث على ترك الدنيا والعمل للآخرة (وارفع عينيك إلى السماء فإن فوقك فيها ملكا عظيما) لعل المراد به ملكوت السماوات وهو الذي أراه خليله عليه السلام ليكون من الموقنين أو الجنة وهي موجودة الآن في السماء عند جماعة منهم المحقق الطوسي وقالت طائفة إنما توجد في القيامة وللطرفين كلام مذكور في موضعه، ويحتمل أن يكون ملكا بالتحريك، والغرض منه هو الحث على العبادة أو إظهار عظمته تعالى.
(وابك على نفسك ما دمت في الدنيا) لأنها جوهر عزيز شريف نزل من عند رب جليل لطيف إلى مقام الوحشة ودار الغربة ومنزل الكربة فصار مسجونا في سجن الطبيعة ومغلولا بغل السجية بعد كونه في مقام العز رفيعا وعالم القدس منيعا فاستحق ما دام في الدنيا البكاء على حاله والصراخ على ذله ونكاله إلى أن يتخلص منها ويرجع إلى مقامه الأصلي ومنزله الأولي (وتخوف العطب من المهالك) (1) لأن الإنسان ما دام في الدنيا التي هي دار البلية والامتحان وإن كان في غاية التقوى ونهاية الكمال ليس بآمن من انقلاب الحال وانعكاس المآل واتباع أهواء النفس ومخاطرات الشيطان وسلوك مسالكهما ولذلك اجتهد العقلاء والصلحاء في طلب حسن العاقبة (ولا تغرنك زينة الدنيا وزهرتها) الدنيا بزينتها وزهرتها تغر الناس وتخدعهم وتجذبهم إليها والعاقل لا يغتر منها لعلمه بمفاسدها وإغفالها عن الحق وعدم بقائها وسرعة انتقالها منه إلى غيره (ولا ترض بالظلم) الرضا بالظلم مثله في العقوبة ومن علاماته الاستبشار به والمدح له وعدم إنكاره مع القدرة عليه ومصاحبة الظالم وإعانته (ولا تكن ظالما فإني للظالم رصيد) أي مترقب منتظر لآخذه بغتة من رصد السبع يرصد فهو رصيد إذا رقب الوثوب على صيده (حتى أديل منه المظلوم) في القاموس: أدالنا الله من أعدائنا من الدولة والإدالة الغلبة وهو سبحانه يجعل الدولة والغلبة للمظلوم على الظالم في الدنيا أو يوم القيامة.
(يا موسى إن الحسنة عشرة أضعاف) قد من على هذه الأمة أيضا بقوله: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) وفيه تبشير للمحسن وترغيب له في فعل الحسنة لأنه إذا علم أنه للواحدة عشرة يسعى لها كالتاجر (ومن السيئة الواحدة الهلاك) فيه وعيد للمسيء وتنفير له عن السيئة مطلقا لأن النفس تتنفر من المهلكات (لا تشرك بي) شيئا جليا وخفيا لا تحل لك أن تشرك بي لأن الشرك