الرسول (صلى الله عليه وآله) (لتبهجت بكم السبل) سبل الإسلام وهي أركانه وقوانينه وسبب تبهجها وسرورها ومباهاتها بهم حينئذ أنها صارت منصورة مروجة عزيزة لكثرة أعوانها وأنصارها وفيه استعارة مكنية وتخييلية (وبدت لكم الأعلام) الداعية إلى الله وإلى خلقه وهي القوانين الشرعية القائدة إليه وهذه الأعلام بأيدي الدعاة إليه وهم الرسول ومن بعده من أهل بيته والتابعين لهم بإحسان (وأضاء لكم الإسلام) لكشف الحجاب عنه بإيضاح إمام عالم عادل وهو هو (عليه السلام) (وأكلتم رغدا) في القاموس:
عيشة رغد أو رغدا واسعة طيبة والفعل كمنع وكرم وقوم رغد ونساء رغد محركتين فقوله: رغدا، إما تمييز أو حال والمفعول مقدر أو الفعل بمنزلة اللازم لأن المقصود بيان كيفية الأكل لا بيان المأكول وهذا الأمر - وهو سعة الرزق وطيب العيش ونزول البركة في عصر الإمام العادل ونشر العدل بين الخلق - أمر تشهد له الآية والرواية والتجربة واتفقت عليه أرباب السير.
(وما عال فيكم عايل) العايل الفقير عال يعيل عيلة إذا افتقر وذلك لنزول البركة وشمول الرحمة ولأن الإمام العادل يقسم بيت المال والحقوق المالية الواجبة والمندوبة بينهم على السوية ويعطي كل واحد ما يحتاج إليه ولا يصنع ما صنع الخلفاء الثلاثة من إعطاء الفاسق والكافر والغني ومنع المؤمن والفقير وقد نقلوا أن عثمان أعطى الحكم بن العاص طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أموالا خارجة عن الحساب وكان فقراء المدينة وغيرهم محتاجين إلى قوت ليلة (ولا ظلم منكم مسلم ولا معاهد) فإن الإمام العادل يأخذ للمظلوم من الظالم على ما تقتضيه القوانين النبوية فيكف الظالم نفسه عن الظلم خوفا منه، وبالجملة الكف عن الظلم إما للخوف من الله ومن العقوبة الاخروية أو للخوف من السلطان، وأكثر الخلق بعيد من الأول فلابد من سلطان يخافون من سطوته والسلطان إن كان جائرا كثيرا ما يغمض عن الأخذ إما للرشوة أو لرعاية القرابة أو لغير ذلك فيشتغل الظالم بظلمه للأمن منه كما هو المعروف الآن وإن كان عالما بالقوانين الشرعية، والسياسة النبوية وعادلا يعدل بينهم ولا يترك حق أحد حصل لهم الخوف منه فيكفون عن الظلم، وطريق العدل مع المعاهد وهو رفع الظلم في النفس والمال عنه لعهده وعدم التقريب والمحبة له لكفره، إذ في عدم الأول نقض للعهد وفي وجود الثاني نقص في الدين.
(ولكن سلكتم سبيل الظلام) بمتابعة الإمام الظالم الجاهل وترك متابعة الإمام العالم العادل والمراد بالظلام الجهالات والوجه عدم اهتداء السالك فيها إلى المقصود (فاظلمت عليكم الدنيا برحبها) أي بسعتها لأفول نور الإيمان والعدل في آفاقها ودخول ظلمة الكفر والجور في أطرافها فصرتم متحيرين فيها كتحيركم في الجاهلية الأولى (وسدت عليكم أبواب العلم) كناية عن خفاء العلم عليهم لأن ظهوره إنما هو بالتعلم من العالم الرباني والسؤال عنه وهم قد عزلوه عن التعليم وأعرضوا عنه (فقلتم بأهوائكم) هذا من لوازم الجهل مع الاستنكاف عن ظهوره، وهكذا حال